|

دائرة مسجل الشركات: كاتب عدل أم جهة رقابية؟

بقلم المحامي: ايوب حميد


دائرة مسجل الشركات في العراق تلعب دوراً أساسياً في بيئة الأعمال، لكن طبيعة هذا الدور تثير جدلاً قانونياً مستمراً. البعض يرى أنها مجرد جهة توثيقية، تعمل ككاتب عدل للشركات، فلا تملك سلطة رفض أو منع أي تعديل طالما استوفى المتطلبات القانونية. وفقاً لهذا الرأي، فإن المسجل ملزم بتسجيل التعديلات مثل بيع الأسهم وزيادة رأس المال وتغيير المدير المفوض دون تدخل، استناداً إلى نصوص قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 المعدل.

في المقابل، يرى آخرون أن المسجل ليس مجرد جهة تسجيل محايدة، بل يملك دوراً رقابياً غير مباشر. ورغم عدم تمتعه بصلاحية الرفض المباشر، فإنه قادر على التحقق من مدى التزام الإجراءات بالقوانين، خصوصاً في الشركات المساهمة حيث تبرز الحاجة إلى حماية حقوق المساهمين. وفي بعض الحالات، يمكنه إحالة الملفات المشكوك فيها إلى الجهات المختصة بدلاً من تسجيلها بشكل تلقائي، ما يجعله جهة رقابية وإن لم يكن ذلك بشكل صريح.

لكن بعيداً عن الجدل القانوني، فإن التعامل مع هذه الدائرة يمثل عبئاً إدارياً كبيراً على المحامين والمستثمرين. الروتين المرهق هو السمة الأبرز، حيث يواجه المحامون طوابير طويلة وتعليمات متغيرة وإجراءات قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهر لإنجاز تعديل بسيط. كثيراً ما يُطلب منهم تقديم وثائق إضافية غير مذكورة في القوانين أو اللوائح، مما يزيد من تعقيد العملية ويثقل كاهلهم بالعمل والموارد.

أما المستثمرون، فغالباً ما يصطدمون ببطء الإجراءات وتعقيدها، مما يجعل تسجيل شركة جديدة أو تعديل بياناتها عملية تستنزف الوقت والجهد. في عالم الأعمال الحديث، يفترض أن تكون السرعة والكفاءة هي القاعدة، لكن التعامل مع هذه الدائرة غالباً ما يكون على النقيض تماماً، حيث يتحول الإجراء البسيط إلى مسار طويل من المراجعات والتعديلات غير المتوقعة.

بين من يرى أن المشكلة تكمن في نقص الصلاحيات ومن يعتقد أن البيروقراطية هي العائق الأكبر، تبقى الحقيقة أن بيئة الأعمال في العراق بحاجة إلى إصلاح جذري. الأمر لا يتعلق فقط بتعديل القوانين، بل بإعادة هيكلة الإجراءات داخل هذه الدائرة لتصبح أكثر مرونة ووضوحاً وأقل استنزافاً للوقت والجهد. الإصلاح الحقيقي لن يتحقق بمنح صلاحيات إضافية فقط، بل بجعل الإجراءات أكثر كفاءة في خدمة المحامين ورجال الأعمال والمستثمرين على حد سواء.