أخلاقيات المحامي في زمن الإعلام الإلكتروني
أخلاقيات المحامي في زمن الإعلام الإلكتروني
المحامية الهام الركابي
في عصر الإعلام الرقمي أصبح كثير من المحامين يلجأون إلى صناعة المحتوى القانوني عبر منصات التواصل بدافع نشر الوعي القانوني أو تعزيز حضورهم الرقمي إلا أن هذا الانفتاح الإعلامي رغم ما يحمله من فرص للتثقيف يثير تساؤلات جدية حول مدى توافقه مع المبادئ الأخلاقية لمهنة المحاماة خاصة عندما تتقاطع الرسالة القانونية مع أساليب التسويق والإثارة والتفاعل الجماهيري
أين تنتهي حدود التوعية ومتى يتحول المحتوى إلى مخالفة تأديبية وما حكم نشر معلومات قانونية مشوشة أو مثيرة بهدف تحقيق التفاعل
قانون المحاماة العراقي رقم 173 لسنة 1965 لا يتضمن نصا يمنع المحامي من نشر محتوى توعوي كما أنه لا يحظر استخدام الوسائل الحديثة في مخاطبة الجمهور بل إن طبيعة مهنة المحاماة التي تقوم على تقديم المشورة القانونية وتمثيل الموكلين تتيح للمحامي المساهمة في نشر الثقافة القانونية شريطة الالتزام بالقيم المهنية التي أكدت عليها تعليمات وآداب المهنة من نزاهة ودقة واحترام
من هنا يعد نشر المحتوى التوعوي مباحا إذا التزم المحامي بعدم تقديم معلومات مضللة وعدم استخدام المحتوى لأغراض دعائية مباشرة أو غير مباشرة وتجنب انتهاك خصوصية الموكلين أو استغلال القضايا المنظورة
لكن الحدود الأخلاقية تصبح واضحة عند الانتقال من التوعية إلى الترويج إذ تحظر المادة 42 من قانون المحاماة السعي إلى استجلاب الزبائن بوسائل الدعاية كما تمنع قواعد السلوك المهني أي نشر مسيء باستخدام أي وسيلة علنية كاستخدام عبارات غير لائقة أو عرض صور وأوضاع لا تعكس استقامة المهنة أو نشر معلومات قانونية خاطئة بقصد التضليل
بناء على ذلك يعد تجاوزا مهنيا استعمال لغة تسويقية مثل ضمان النجاح أو استغلال قضايا الموكلين لإثارة الجدل أو تقديم وعود موهمة بالنتائج بينما يعد مقبولا تحليل النصوص القانونية أو الإجابة على استفسارات عامة أو مناقشة القوانين المستحدثة بما يخدم الوعي العام دون تهويل أو إثارة
ومع انتشار الإعلام الرقمي برزت ظاهرة خطيرة تتمثل في تعمد بعض المحامين نشر معلومات قانونية مثيرة أو مشوشة لجذب التفاعل مثل اجتزاء النصوص أو تفسير الأحكام بشكل انتقائي أو تقديم آراء قانونية مبنية على مغالطات وهذا السلوك وإن حقق مشاهدات عالية إلا أنه يضلل المتلقي ويهز الثقة بالمعلومة القانونية ويعرض المحامي للمساءلة التأديبية إذا ثبت تعمد التضليل أو المساس بهيبة القضاء
المحاماة مهنة قائمة على الثقة لا على جذب الانتباه أو التفاعل المؤقت وفي زمن الإعلام الرقمي يجب على المحامي أن يميز بين التوعية المسؤولة والترويج الممنوع وأن يحافظ على نقاء رسالته القانونية من الإثارة الزائفة فصناعة المحتوى ليست وسيلة لتسويق الذات بل أمانة تقوم على الصدق والدقة واحترام المتلقي والمحامي الناجح ليس من يملأ الشاشات بل من يحفظ كرامة المهنة في كل منصة يظهر فيها
ولهذا نحرص نحن في شبكة المحامين العراقيين على نشر الوعي القانوني بما يفيد الناس ويحافظ على رونق المهنة