الزي الرسمي للمحامي: بين النصوص القانونية، الامتداد التاريخي، والهوية البصرية للمهنة

إلهام الركابي

في أروقة العدالة، لا يُعدّ الزي الرسمي للمحامي مجرد مظهر خارجي، بل هو جزء لا يتجزأ من هوية المهنة، وأداة تعبير رمزية تُجسّد مفاهيم الوقار والانضباط واحترام السلطة القضائية. وقد تطوّر هذا الزي عبر التاريخ ليصبح جزءاً من اللغة البصرية التي تميّز المحامي، وتضفي على حضوره طابعاً رسمياً يعكس مكانته القانونية والاجتماعية.
رغم عدم وجود نصوص قانونية تفصيلية ملزمة بشأن الزي الرسمي للمحامي في بعض الأنظمة القانونية، كالقانون العراقي مثلًا، فإن القواعد المنظمة لممارسة المهنة، والتعليمات الإدارية الصادرة عن نقابة المحامين، أرست مبدأ ضرورة التقيد بـ”اللباس اللائق”
فقد اوجبت على المحامي بقواعد السلوك المهني مايلي “يجب على المحامي ان يظهر بمظهر رسمي يليق بكرامة المهنة وقدسية المحاكم “
والذي ينسجم مع قدسية المهنة. ويُفهم من ذلك الالتزام بالبدلة الرسمية كجزء من مظهر يعكس الرصانة، والاحتراف، والاحترام لهيبة المحكمة.

وبالعودة للجذور التاريخية للموضوع الزي الرسمي للمحامي ليس وليد العصر الحديث، بل له امتداد تاريخي يعود إلى القرون الوسطى، حين كان يرتدي رجال القانون في أوروبا عباءات سوداء وقبعات مميزة تفرّقهم عن عامة الناس، وترمز إلى العلم، والسلطة، والاستقلالية. وقد انتقل هذا التقليد إلى الأنظمة القانونية المدنية والشرقية، ومنها الدول العربية، التي تبنّت النمط الغربي في الزي الرسمي بعد تشكّل الدولة الحديثة، مع الإبقاء على الطابع المحافظ الذي يعكس القيم الاجتماعية والوقار المهني.

اما بالنسبة للحشمة ففي المفهوم القانوني، الحشمة لا تُعد قيمة دينية أو ثقافية فحسب، بل هي عنصر أساسي في المظهر المهني، تُعبّر عن احترام الذات، واحترام المنظومة القانونية التي ينتمي إليها المحامي. ويُعدّ الزي غير اللائق أو اللافت انتهاكاً غير مباشر لقواعد السلوك المهني، إذ يؤثر على هيبة المهنة وقد يُضعف من الانطباع الأولي لدى القضاة أو أطراف الدعوى. ولهذا، فإن الحشمة في الملبس تدخل ضمن ما يُعرف بـ”اللياقة المهنية” التي نصت عليها أدبيات السلوك المهني في العديد من القوانين والنقابات.
في زمن أصبحت فيه الصورة والانطباع الأول يلعبان دوراً حاسماً، أصبح الزي الرسمي للمحامي جزءاً من هويته البصرية، يرسّخ صورته أمام المحكمة، والموكلين، وزملائه في المهنة. ويُعدّ هذا الزي رسالة غير لفظية تعبّر عن الاستعداد، والجدية، والانضباط، وتُعزّز ثقة الآخرين بكفاءته. كما أن التزام المحامي بمظهر موحّد، مهني ووقور، يُعبّر عن وحدة جسد المهنة القانونية، ويرسّخ قيم العدالة والاستقلالية.
وقد يُثار تساؤل حول أولوية الجوهر على المظهر، غير أن الواقع العملي يُثبت أن الشكل المهني يعزّز المضمون القانوني. فالمحامي، بحضوره المتزن ومظهره الرسمي، يُجسّد شخصية القانون في المجتمع، ويؤدي دوراً تمثيلياً لا يقل أهمية عن دوره الدفاعي أو الاستشاري. والزي الرسمي يمنحه حالة من الجاهزية النفسية والهيبة التي تنعكس على أدائه، وتُسهّل على المؤسسة القضائية التعامل معه باعتباره طرفًا مهنياً موثوقاً.

خاتماً
الزي الرسمي للمحامي ليس مجرد خيار شكلي، بل هو امتداد لميراث قانوني طويل، يعكس روح المهنة، وقيمها، وهيبتها. إنه جزء من لغة غير مكتوبة تُعبّر عن الالتزام بالعدالة، والاحترام للسلطة القضائية، والوعي بدور المحامي كممثل للقانون في المجتمع. وكلما حافظ المحامي على هذه الهوية البصرية باحتراف ووقار، كلما كان أكثر انسجاماً مع جوهر رسالته، وأكثر قدرة على التأثير الإيجابي داخل قاعات المحاكم وخارجها