حين تتحول النصوص القانونية إلى أدوات جباية: تساؤلات حول مشروعية المادة (12) من قانون رسم الطابع رقم 71 لسنة 2012
الخبير القانوني : بلال سعد الزبيدي
عندما نراجع نصوص القوانين النافذة نجد ما لا يمكن ان يبرر، لا من حيث الصياغة ولا من حيث المضمون ولا من حيث الهدف، وهو ما يدفعنا للوقوف طويلا امام تلك النصوص والتساؤل عن كيفية ادراجها في قانون من المفترض به ان يكون قد مر بسلسلة طويلة ومحكمة من الاجراءات التي مرت بجهات متخصصة في مجال التشريع ووضع القوانين.
ومن تلك النصوص هو ما اورده قانون رسم الطابع رقم (71) لسنة 2012 في المادة (12) والتي تضمنت:
(اولاـ يستوفى الرسـم من الرواتـب والمخصصات والاجـور بمقـدار (2000) الفي دينار سنوياً.
ثانياـ تقوم دوائر الدولة والقطاع العام بحسم الرسم المحدد في البند (اولا) من هذه المادة من المبلغ المستحق مباشرة بقسطين متساويين، الاول من راتب شهر كانون الثاني، والثاني من راتب شهر تموز من كل سنة على ان يسدد الى الخزينة خلال مدة اقصاها نهاية الشهر التالي لحسمه، وفي حالة التأخر عن هذا الموعد تفرض غرامة على الموظف المختص بنسبة (10%) عشرة من المائة من مقدار الرسم.
ثالثاـ يستوفى الرسـم من الراتب والمخصصات والاجور كاملاً وبقسطين عنـد التعيين لاول مرة في النصف الاول من السنة ونصف الرسم اذا كان التعيين قد تم في النصف الثاني منها ، ومن اول راتب يتقاضاه.
رابعاـ تستثنى رواتب ومخصصات المتقاعدين من احكام هذه المادة).
مما لا شك فيه ان هذه المادة جاءت بهدف تعزيز ايرادات الدولة وتعظيم مواردها المالية، وهو امر جلي لا نقاش فيه وهدف مشروع لا جدال حوله اذ ان من واجب السلطة بكافة اجهزتها ان تسعى الى توفير ايرادات تساهم في دعم موازنة الدولة والتقليل من عجزها قدر المستطاع، ولكن هنا يثور تساؤل غاية في الاهمية حول مشروعية الوسيلة المستخدمة لتحقيق ذلك الهدف.
وبغية مناقشة المادة سالفة البيان بشكل موضوعي فاننا سندرج الملاحظات الاتية :
اولا : هل هو رسم؟ ان مجرد ادراج أي نص في قانون رسم الطابع لا يكفي لاعتبار الجباية التي تتم استنادا اليه رسم او وصفها بذلك الوصف، كما ان نص المشرع على انها رسم لا يعطيها تلك الصفة من حيث الواقع، ولتحديد ذلك ينبغي الرجوع الى تعريف الرسم لمعرفة مدى انطباقه على الحالة موضوع البحث، فالرسم هو (مبلغ من المال تجبيه الدولة أو أحد هيئاتها العامة جبراً من الأفراد مقابل خدمة خاصة تقدمها لهم أو مقابل نفع خاص يعود عليهم من هذه الخدمة)، ان السؤال الذي يطرح في هذا المقام ما هي الخدمة التي تقدمها الدولة الى الاشخاص الذين يتم جباية المبالغ منهم استنادا الى المادة (12) من القانون رقم (71) لسنة 2012، فان قيل بانها دفع الرواتب قلنا بان ذلك هو حق لهم كمقابل لعملهم ولا يمكن ان توصف بانها خدمة تقدم لهم.
ثانيا : ازدواج الجباية، ان الرواتب والاجور تفرض عليها ضريبة الدخل وفق لاحكام قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982، فكيف من الممكن ان يتم فرض جباية اخرى على نفس المصدر بتسمية مختلفة؟ وان فرضنا انها ضريبة وليست رسم فهل من القانوني فرض ضريبتين على نفس المكلف وعلى نفس مصدر الدخل؟
ثالثا : من المختص بفرض العقوبة؟ اورد البند الثاني من المادة (12) عقوبة الغرامة على الموظف المختص الذي يخالف احكام تلك المادة، وترك الية المعاقبة والجهة المختصة بتقرير فرضها دون بيان، وهنا نشير الى ان الغرامة هي عقوبة تخضع لمبدأ المشروعية وهي بهذا الوصف لا يمكن ان تفرض الا باجراءات وضمانات قانونية واضحة، والمتعارف في العراق بان الاصل هو ان محكمة الجنح هي من تتولى تقرير عقوبة الغرامة وفرضها على المدان بارتكاب الجريمة، واي استثناء على هذه القاعدة يجب ان يكون بنص صريح الدلالة وواضح المعنى والمبنى.
ان سعي الحكومة لتعظيم الايرادات المالية دفعها لاقتراح نصوص قانونية تخالف المنطق القانوني وتتعارض مع مسلماته وهو امر اصبح لافت جدا خلال العقدين السابقين من هذا القرن ويكاد ان يكون ظاهرة قانونية في العراق، وليست المادة موضوع هذا المقال سوى مثال بسيط لتلك النصوص التي يجب ان يعاد النظر فيها.