رجل أعمال عراقي يرفع دعوى بمبلغ 1.9 مليون دولار ضد وزير الداخلية العراقي ورئيس حكومة الولايات المتحدة الامريكية
المحاميان: حيان ابراهيم الخياط وعبد الله حسين التميمي
الملخص: تعود الواقعة لعام 2004، حين زوّد المدعي وهو رجل اعمال عراقي قوات الشرطة الخاصة بتجهيزات وخدمات ميدانية بطلب من القيادة الأمنية متعددة الجنسيات. ثم طالب بتعويض المبلغ أمام محكمة البداءة المختصة بالدعاوى التجارية في الرصافة. لكن المحكمة ردت الدعوى بحكم حضوري لاحقاً في 2023. وكان التسبيب ان القانون العراقي لا يسري على القوات الأمريكية باعتبارها “سلطة احتلال” بموجب الأمر (17) لسنة 2003. كما أن القانون رقم (4) لسنة 1935 يمنح الممثلين السياسيين حصانة تامة من الملاحقة أمام القضاء العراقي. وبذلك فان النتيجة هي: رد الدعوى وتصديق الحكم تمييزاً.
التفاصيل:
في عالم تتداخل فيه المصالح الدولية مع حقوق الأفراد، تبرز قضيةٌ قانونيةٌ شائكة: كيف يمكن لمواطن عراقي أن يطالب بحقوقه المالية أمام محكمة محلية إذا كان الطرف الآخر دولة أجنبية تمتلك “حصانة قضائية”؟ هذا السؤال يعيدنا إلى قرارٍ حديث لمحكمة التمييز الاتحادية، الذي رفض دعوىً ضد الولايات المتحدة الأمريكية، مستنداً إلى نصوصٍ قانونيةٍ تمنح الدول الأجنبية حصانةً من الملاحقة القضائية. فكيف يُفسر هذا القرار؟ وما تأثيره على الأفراد؟
السياج القانوني الذي يحمي الدول الأجنبية
القضية تدور حول مطالبة فرد عراقي بتعويضات مالية عن خدمات قدمها لقوات أمنية تابعة لدولة أجنبية. لكن المحكمة رفضت الدعوى، معتمدةً على ثلاثة أركان قانونية رئيسية:
- تشريعات فترة ما بعد الاحتلال:
أثناء وجود القوات الامريكية في العراق، صدرت تشريعاتٌ تمنع محاكمة أفراد هذه القوات أو ممتلكاتها أمام القضاء العراقي. فكأن التشريع رسمَ “منطقة عازلة” تحمي تلك الجهات من أي ملاحقة، حتى لو تعلق الأمر بعقودٍ أو التزامات مالية. - حصانة الممثلين الدبلوماسيين:
تنص القوانين العراقية على أن السفراء والممثلين السياسيين للدول الأجنبية لا يُحاكمون محلياً، سواء في قضايا مدنية أو جزائية. هذه الحصانة تشبه تلك التي يتمتع بها الدبلوماسيون في معظم دول العالم، لكنها هنا امتدت لتشمل عقوداً مرتبطةً بأعمالهم. - الاستثناءات في قانون المرافعات:
رغم أن القواعد العامة تسمح بمقاضاة الحكومة والأشخاص الاعتباريين، إلا أن النصوص الخاصة تعلو على هذه القواعد. فإذا وجد قانونٌ يمنع مقاضاة طرفٍ ما – كدولة أجنبية – فإن المحكمة تلتزم بهذا الاستثناء.
هل تُهمش حقوق الأفراد لصالح السيادة؟
القرار يفتح الباب أمام تساؤلاتٍ جوهرية:
1 – ماذا يفعل الفرد إذا أخلت دولة أجنبية بالتزاماتها التعاقدية؟
2 – هل تُترك هذه النزاعات لأنظمة القضاء الدولي المعقدة، التي يصعب على الأفراد الوصول إليها؟
- 3 – ألا يُنشئ هذا النهج “فئة فوق القانون” داخل البلاد؟
القضية تعكس تناقضاً صارخاً: فمن جهة، تحمي الحصانةُ الدبلوماسيةُ الاستقرارَ الدولي، لكنها من جهةٍ أخرى قد تُحوّل الأفراد إلى ضحايا لعجز النظام القانوني عن تحقيق التوازن.
ما بعد القرار: أين يكمن الحل؟
لا يعني رفض الدعوى نهاية المطاف، بل يطرح الحاجة إلى آلياتٍ بديلة:
- 1 – تفعيل القنوات الدبلوماسية: كأن تتفق الدولتان على لجنة مشتركة لتسوية النزاعات المالية الناشئة عن عقود سابقة.
- 2 – تعديل التشريعات: بإضافة استثناءاتٍ تسمح بمقاضاة الدول الأجنبية في قضايا محددة، كالعقود التجارية الواضحة.
- 3 – التوعية القانونية: تنبيه الأفراد إلى مخاطر التعاقد مع جهات تتمتع بالحصانة، ما لم تُضمن حقوقهم عبر ضمانات دولية.
الخاتمة: بين العدالة والواقعية
القرار التمييزي ليس انتصاراً للقانون على الحقوق، بل هو اعترافٌ بواقعٍ قانوني معقد. فالنظام القضائي العراقي، كغيره من الأنظمة، يرسم حدوداً بين العدالة المحلية والالتزامات الدولية. لكن هذا لا يلغي الحاجة إلى مراجعة هذه الحدود، خاصةً عندما تُغلق الأبواب أمام مواطن يبحث عن تعويضٍ عادل.
ويبقى السؤال الأكبر : كيف نحمي السيادة دون أن نضحّي بالحقوق؟ الإجابة قد تكمن في تشريعاتٍ أكثر مرونة، أو في حوارٍ دولي يعيد تعريف الحصانة في عصرٍ لم يعد فيه أي طرفٍ فوق المساءلة.
للاطلاع على القرار التمييزي: اضغط هنا