| |

صراع الحقوق بعد الطلاق: كيف أنقذت الإجراءات القانونية امرأة من الظلم؟”

المحامي: عبد الله حسين التميمي/غرفة محامي جنح الكرخ.

في قاعة المحكمة، حيث تتصارع الأوراق والأحكام، تكشف قضية طلاق واحدة عن معركة إنسانية وقانونية معقدة. قضيةٌ لم تكن مجرد نزاع بين زوجين، بل اختبارٌ لمدى التزام النظام القضائي بحماية الضعفاء، ودور المحامي كحارسٍ للعدالة حين تُهمَل التفاصيل.

الخلفية: طلاق خارج المحكمة وحقوقٌ مُغفَلة

ادَّعى الزوج في إحدى قضايا الطلاق بالبصرة أنه طلَّق زوجته خارج المحكمة، وطالب بتصديق الطلاق وتحميلها المصاريف. أصدرت المحكمة حكماً لصالحه، لكن الحكم تجاهل حقوقاً أساسية للمرأة: حق السكنى بعد الطلاق. الأكثر إثارةً أن المحكمة لم تستفسر عن رغبتها في البقاء في دار الزوجية، ولم تُجْرِ كشفاً على العقار لتحديد استقلاليته، رغم أن القانون يُلزم بذلك.

هنا، تدخَّل المحامي علي ثابت السعدون، ممثلاً للمرأة، ليكشف أن الحكم انتهك نصوصاً واضحة في قانون حق الزوجة المطلقة رقم 78 لسنة 1983، وقانون المرافعات المدنية. فكيف يُحرم شخصٌ من سكنه دون استماعٍ لرأيه؟ وكيف تُحمَّل تكاليف دعوى لم تكن خاسرةً فيها؟

المحامي: جسرٌ بين القانون والعدالة

لم يكن دور المحامي في هذه القضية مجرد تقديم للدفوع، بل كشف ثغراتٍ خطيرة في الإجراءات:

  1. إهمال استجواب الزوجة عن رغبتها في السكن، وهو إجراءٌ إلزامي بموجب المادة (1) من قانون حق السكنى.
  2. عدم التحقق من شروط دار الزوجية، مثل استقلاليتها وملاءمتها، رغم أن سكن الأبناء البالغين فيها يُضعف حق المطلقة.
  3. تحميل المرأة مصاريف الدعوى رغم أن الزوج هو المُطالِب بالطلاق، والقانون يوجب عليه تحمل التكاليف.

بتوثيق هذه الانتهاكات، نجح المحامي في إقناع محكمة التمييز بنقض الحكم وإعادة الدعوى لإعادة النظر فيها، مؤكداً أن القصور في الإجراءات يُنتج ظلماً حتى لو بدا الحكم “شكلياً” صحيحاً.

القضاء والمحاماة: شركاء في تحقيق العدالة

تؤكد هذه القضية أن النظام القضائي يعتمد على التكامل بين أدوار القضاة والمحامين لضمان دقة الأحكام. فمحكمة التمييز، عند نقضها الحكم، لم تُقلل من جهود المحكمة، بل حرصت على تطبيق الإجراءات القانونية بدقة، مما يعكس قوة الآليات الرقابية في النظام القضائي العراقي. وهذا التعاون بين الجهتين يبرز كيف تُبنى العدالة عبر مراجعة متأنية لكل تفصيل، بما يضمن توافق الأحكام مع روح القانون ونصوصه.

الخلاصة: العدالة تُبنى بالتفاصيل

القضية ليست مجرد حبرٍ على ورق، بل تمس حياة أشخاصٍ فقدوا السكن أو تحملوا أعباءً مادية بغير حق. دور المحامي هنا لم يكن “مناورة قانونية”، بل دفاعٌ عن مبدأ: أن الإجراءات ليست روتيناً، بل ضمانةٌ لحقوق الناس. وفي الوقت نفسه، تذكيرٌ بأن القضاء العراقي، حين يُطبَّق القانون بصرامة وتعاون بين مكوناته، يصبح ركيزةً لا غنى عنها لتحقيق الإنصاف.

هكذا، تصبح كل قضية فرصةً لتعزيز الثقة: ثقة المواطن بأن القانون يحميه، وثقة المحامي بأن جهوده تُحدث فرقاً، وثقة القاضي بأن عمله يُبنى على أسسٍ لا تقبل المساومة.

للاطلاع على قرار محكمة التمييز: اضغط هنا