قانون التقاعد القسري والأمن القانوني
بقلم: أ.د. غازي فيصل
الحق الذي لاريب فيه ان غاية القانون هي ان يأمن الفرد في المجتمع على نفسه وماله وهذا يقتضي تحقيق قدر من الثبات النسبي للعلاقات القانونية وحد ادنى من الاستقرار للمراكز القانونية حتى تشيع الثقة والطمأنينة في نفوس الافراد فلا يؤاخذوا بغتة بقوانين تحدث اضطرابا في حياتهم الاجتماعية يفوق توقعاتهم المشروعة وهذا ما حصل في قانون التعديل الاول لقانون التقاعد الموحد الصادر بالقانون رقم (٢٦)لسنة ٢٠١٩ والذي خفض السن القانوني للأحالة الى التقاعد فجأة وجعله اكمال الستين عاما مما شكل اخلالا كبيرا بالأمن القانوني ومساسا بالمراكز القانونية للموظفين، ومما زاد الأمر سوءا على سوء توجيه الامانة العامة لمجلس الوزراء باحالة الموظفين الى التقاعد عند بلوغهم سن الستين عاما ولا يخفى على ذوي البصيرة الفرق بين الاثنين فالاكمال يعني نهاية اليوم الآخير من السنة ستين بينما البلوغ يعني ادراك اليوم الأول منها وهكذا تم سلب اربع سنوات من خدمة الموظف في رابعة النهار .
لقد قمنا في حينه بالطعن بتوجيه الامانة العامة لمجلس الوزراء لمخالفته الصريحة لاحكام القانون امام محكمة قضاء الموظفين الا انها احالت الدعوى الى محكمة القضاء الاداري بحجة ان الطعن يتعلق بقرار اداري تنظيمي في حين انها هي المختصة بنظره يقينا لتعلقه بالحقوق الوظيفية ولدى نظر المحكمة الاخيرة في الدعوى قررت ردها شكلا لعدم تقديم تظلم امام الامانة العامة لمجلس الوزراء علما بأن القانون لم يشترط تقديم التظلم في الدعوى التي اقيمت ابتداء امام محكمة قضاء الموظفين فهي الزمتنا بما لم يلزمنا به القانون وكان بامكانها ان تقرر جعل الدعوى مستأخرة لحين تقديم التظلم كما تفعل اقضية الدول الأخرى تسهيلا على المتقاضين وللأسف صادقت المحكمة الإدارية العليا على قرار محكمة القضاء الاداري. كما اقيمت دعاوى امام المحكمة الاتحادية العليا للطعن بدستورية القانون رقم (٢٦) لسنة ٢٠١٩ ولكنها ردت ايضا باعتبار ان صدور القانون المذكور يمثل خيارا تشريعيا لمجلس النواب وهذا ما لم نفهمه لحد الآن وهكذا أغلق طريق القضاء نهائيا.
ان القانون المذكور شكل اخلالا بالأمن القانوني والذي يصلح بحد ذاته سببا للطعن بعدم دستورية القانون في الدول التي اخذت بنظام الرقابة على دستورية القوانين لقد مرت ست سنوات عجاف على تشريع القانون (٢٦) لسنة ٢٠١٩ وما زال الموظفون الذين طبق عليهم يتجرعون مرارته كالحنظل واثاره السلبية بادية على حياتهم المعيشية، علما ان هناك صحوة في مجلس النواب اذ تم اعداد مشروع قانون جديد يزيد السن القانوني للاحالة الى التقاعد الى الثالثة والستين ودعوتنا ان يتم تشريعه سراعا ولكن نود ان نلفت نظر مشرعنا الحكيم الى وجوب انصاف الموظفين الذين شملوا بالقانون (٢٦) لسنة ٢٠١٩ واحيلوا الى التقاعد باكمالهم سن التاسعة والخمسين وبالطريقة التي يراها مناسبة ونذكره بقوله تعالى (واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) فالعدل بين الرعية واجب ديني وأخلاقي وهو واحد من مقومات دولة القانون.