كارثة الكوت… إخلال جسيم بالواجب

المحامي ايوب حميد

اندلع ليلة البارحة حريق مدمر في هايبر ماركت وسط مدينة الكوت ادى الى سقوط ضحايا بشرية وخسائر مادية كبيرة والسؤال الجوهري هنا ليس فقط عن سبب الحريق بل عن حقيقة ما اذا كان المبنى المحترق يحتوي اصلا على منظومة انذار مبكر او منظومة اطفاء او درج طوارئ واحد على الاقل

فان كانت هذه المنظومات موجودة فلماذا لم تكن ذات جدوى
هل كانت معطلة هل اهملت الصيانة هل جرى تركيبها شكليا دون فحص فني فعلي
وفي كل هذه الحالات نكون امام خلل في الرقابة اللاحقة والاشراف الفني من الدفاع المدني وجهات السلامة ما يستوجب المساءلة القانونية لمن اهمل او صادق او سكت عن هذا الخلل

اما اذا لم تكن موجودة اصلا فكيف منح هذا المشروع اجازة بناء وتشغيل
من وقع على المعاملة ومن تجاوز اشتراطات السلامة والوقاية
هل تم تمرير المعاملة عبر اسلوب المجاملة الادارية او ما يعرف اصطلاحا بمشيها
وهل تم التحقيق مع اللجنة او الموظف الفني الذي وافق على منح الاجازة دون توفر ابسط شروط الحماية

في الحالتين نحن امام اسئلة لا يمكن ان تبقى معلقة بل تستوجب تحقيقا قانونيا شفافا يحدد من قصر ومن سهل ومن غض الطرف لان الامر لم يعد مجرد خلل اداري بل اصبح سببا مباشرا في سقوط ضحايا يرتب مسؤولية قانونية كاملة جزائية ومدنية

ان منح الاجازة لمثل هذا المشروع دون تحقق الدفاع المدني من شروط السلامة والوقاية يشكل مخالفة صريحة للمادة ٣٣ من قانون الدفاع المدني رقم ٤٤ لسنة ٢٠١٣ التي تنص على عدم منح اي اجازة بناء او تشغيل ما لم تتم المصادقة على منظومات الانذار والاطفاء وخطط الاخلاء من قبل الدفاع المدني ويعد تجاوز هذه الخطوة سواء عبر اجراء شكلي او بتوجيه مباشر او باسلوب مشيها خرقا قانونيا جسيما لا يبرر ولا يغتفر

كما ان المسؤولية القانونية لا تقف عند صاحب المشروع بل تمتد الى كل موظف حكومي اشترك في اصدار الموافقة او سكت عن المخالفة تبدأ هذه المسؤولية من موظف الدفاع المدني الذي اعد التقرير الفني ولا تنتهي عند المدير الذي وقع على المعاملة رغم علمه بعدم توافر شروط السلامة المنصوص عليها قانونا

وتجدر الاشارة الى نص المادة ١ ثانيا من القانون ذاته التي تنص على ان رئيس الدفاع المدني في المحافظة هو المحافظ وهو ما يجعل المحافظ مسؤولا قانونيا واداريا عن اي تقصير او تهاون في تنفيذ مهام الدفاع المدني بما في ذلك الرقابة على منح الموافقات ومتابعة تنفيذ شروط السلامة

اما من الناحية الجزائية فان المواد من ٣٤٣ الى ٣٤٧ من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ تعاقب بشدة كل من تسبب في نشوب حريق الحق ضررا بالممتلكات العامة او الخاصة او اودى بحياة اشخاص سواء بفعل مباشر او اهمال جسيم وفي هذه الحالة فان منح الموافقة الرسمية رغم غياب منظومات الحريق ووسائل الاخلاء يمثل اهمالا جسيما يوجب المحاسبة الجزائية لا مجرد المساءلة الادارية

مدنيا فان القانون المدني رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ يحمل كل من تسبب بضرر للغير مسؤولية التعويض اذا ثبت ان الخطأ هو السبب المباشر للضرر وفق المادة ٢٠٤ كما تنص المادة ٢٠٣ على حق ذوي المتوفى في المطالبة بالتعويض في حال ترتبت وفاة عن الفعل الضار بسبب فقدان المعيل والحرمان من الاعالة وبذلك فان الجهات الرسمية المقصرة في اداء واجبها الرقابي تتحمل المسؤولية المدنية كاملة تجاه الضحايا وذويهم

ويفاقم خطورة الموقف القانوني شيوع النمط الاداري المتمثل في تمرير المعاملات باسلوب مشيها وهو ما يعكس خضوع بعض الجهات للتوجيهات الفوقية او المجاملة الوظيفية على حساب الالتزام بالنصوص القانونية والفنية وهذا بحد ذاته يعد مؤشرا واضحا على شبهة فساد اداري يستوجب التحقيق فيه من قبل هيئة النزاهة واحالة جميع الاطراف المتورطة الى القضاء

ان استمرار الحكومة في ادارة هذه الكوارث عبر لجان تحقيق داخلية مغلقة دون شفافية ودون اعلان للنتائج ودون احالة المقصرين الى المحاكم يعني ببساطة غياب الارادة السياسية في تطبيق القانون والاكتفاء بالردود الاعلامية على حساب المساءلة الفعلية وهذا ليس مجرد تقصير بل تواطؤ اداري صريح تتحمل مسؤوليته كل جهة تنفيذية معنية بالرقابة والاشراف

وما جرى في الكوت لا يمكن فصله عما جرى في مستشفى ابن الخطيب ولا عن الحرائق المتكررة في مخازن الوزارات وسوق العلاوي وغيرها من الكوارث التي جرت في وضح النهار وتحت انظار السلطة التنفيذية دون ان يحاسب احد بشكل علني وفعلي

القانون العراقي واضح والنصوص موجودة لكن الحكومة تفضل تجاهلها وان تتحرك بعد وقوع الكارثة لا قبلها وان تمنح الاجازة قبل الفحص وتشكل اللجنة بدل ان تفتح دعوى وهذه وصفة مكررة للموت والدمار في كل محافظة

ان ما نحتاجه اليوم هو تحقيق قضائي لا اداري ومحاسبة جزائية لا توصية مكتبية واستدعاء علني لكل من وقع ومرر واغفل وسهل وصادق وانزال العقوبة القانونية الرادعة بحقهم وفق القوانين النافذة لا وفق حسابات الكرسي او التوازنات السياسية

فلا قيمة لاي تعويض ما لم يسبقه حساب ولا معنى لاي تحقيق لا يؤدي الى محاكمة ولا اعتبار لاي اصلاح ما دامت النار تسبق الدفاع المدني والفساد يسبق صوت القانون