نحصد اسمنت ونزرع مشاكل: الزحف السكاني على الاراضي الزراعية في العراق بين الحاجة وسوء الادارة
المحامي: ايوب حميد/متخصص بالقانون التجاري
لم تعد ظاهرة البناء على الاراضي الزراعية في العراق حالة فردية عابرة يمكن تجاوزها بل تحولت الى مشكلة بنيوية تهدد حاضر التخطيط العمراني ومستقبل الامن الغذائي في البلد وسط غياب واضح للتطبيق الحازم للقانون وتنامي الحاجة الشعبية للسكن.
في الواقع تشهد اطراف العاصمة وبعض المحافظات نشوء احياء سكنية شبه متكاملة بنيت على اراض زراعية بعضها بات يحمل اسماء متداولة ويضم الاف العائلات رغم ان وجوده قانونيا يعد باطلا ومخالفا لاحكام القوانين العراقية النافذة.
من الناحية القانونية يبدو الموقف واضحا ولا يحتمل الاجتهاد فالقانون يمنع تغيير صنف الارض الزراعية دون موافقة الجهات المختصة كما يحظر اقامة اي بناء او حي سكني خارج حدود التصميم الاساسي للمدن وتشير التعليمات العقابية والادارية الى ازالة التجاوز وفرض الغرامات وقطع الخدمات عن الابنية المشيدة على تلك الاراضي.
لكن ما يحدث على الارض مختلف تماما ففي ظل ارتفاع اسعار العقارات داخل المدن وازمة السكن المتفاقمة وغياب مشاريع اسكان حكومية حقيقية وجد المواطن نفسه امام خيار واحد شراء قطعة ارض زراعية بسند تصرف او عقد عرفي وغالبا بدون اي ضمان قانوني.
وقد ساهم هذا الواقع في تسويق السندات الزراعية والعرفية كعقود بيع بين الناس رغم علم الجميع بانها غير قابلة للتثبيت الرسمي ولا تخول المشتري بالحصول على الخدمات ومع ذلك تتكرر المشاهد اسواق مدارس اهلية مولدات وحتى شبكات ماء وكهرباء تربط بطرق غير قانونية.
الا ان المفارقة ان بعض دوائر البلدية قامت بتعبيد الطرق داخل هذه الاحياء ومد الكهرباء اليها الامر الذي زاد من شرعنة هذه التجاوزات وفتح الباب امام تمددها وازدياد الطلب على شراء الاراضي الزراعية لغرض السكن.
هكذا ومع غياب الرؤية الحكومية تغولت الحاجة على النص وسادت الفوضى على النظام واصبحت الدولة امام معضلة مزدوجة هل تزيل هذه الاحياء وتشرّد ساكنيها ام تشرعنها وتتنازل عن مبدأ التخطيط.
في كلتا الحالتين يبقى السؤال الاهم ما قيمة القانون ان لم يطبق وما جدوى التخطيط ان لم يحترم.
ولا تتوقف الاشكاليات عند لحظة الشراء او التجاوز فقط بل تظهر مشكلة جديدة بعد وفاة صاحب العقار فمع غياب الطابو الرسمي او اي اثبات قانوني للملكية تبدأ الخلافات بين الورثة فمن يملك الحق الشرعي في التصرف ومن يضمن ثبوت الملكية اصلا.
الكثير من هذه المنازل لا تخضع للتسجيل ولا توجد لها قيود عقارية رسمية مما يعقد اجراءات القسمة او البيع وقد يؤدي الى نزاعات عائلية او دعاوى قضائية طويلة يكون مصيرها في الغالب الرد بسبب عدم وجود سند قانوني.
الحل لا يكمن في التجاهل او التساهل بل في مراجعة شاملة لسياسات الاسكان وتوسعة المخططات الهيكلية وربطها بالواقع السكاني مع تفعيل الرقابة العقارية ووضع حد لتضليل الناس ببيع اراض زراعية بوثائق لا تسمن ولا تغني من قانون.
الناس بحاجة الى سكن نعم لكن الدولة بحاجة الى ان تبقى دولة قانون.