نرجس… وجعُ الطفولة المنحور بين يدي من كان اولى بحمايتها
………………………………………….
في زوايا هذا العالم الذي باتت فيه القلوب أحيانا لا تعرف الرحمة تخرج علينا بين الحين والآخر قصة تجرحنا في العمق وتتركنا عاجزين عن الفهم كأن الألم لم يعد غريبًا بل جارًا نعرفه بالاسم.
قصة الطفلة نرجس لم تكن مجرد حادثة عابرة كانت صفعة في وجه الإنسانية وصرخة طفلة تم قمعها بأيدٍ كان يجب أن تكون ملجأها الوحيد.
نرجس الطفلة الصغيرة التي انتُزعت من حضن أمها لتقع فريسة تحت سلطة والد قسا عليها وزوجة أب خذلت معنى الأمومة أصبحت صورة موجعة لطفولة منتهكة.
قلبها الذي كان يبحث عن الأمان وجد نفسه وحيدًا في بيت بلا حنان تُسلب فيه البراءة ويُكسر فيه الصوت ويُسدل فيه ستار على طفلة من حقها أن تلعب لا أن تُعاقب.
حين قرأت تفاصيل ما تعرضت له هذه الطفلة لم أتمالك دموعي. وخصوصا بعد عرض فلم تعنيفها وقتلها في قاعة الجنايات لم أستطع تجاهل الإحساس بأننا جميعًا خذلناها مجتمع، قانون، ومشاعر غائبة.
كأننا جميعًا وقفنا متفرجين فيما نرجس تُؤذى وتُعذّب وتُنتزع منها طفولتها بالقوة.
أنا شخصيًا عانيت نفسيًا من قضيتها. ليس لأنني أعرفها ولكن لأن كل طفلة في عمرها تشبه نرجس. لأننا في لحظة صدق رأينا وجوه بناتنا أخواتنا أطفالنا في عينيها البريئتين.
رأيت فيها نفسي حين كنت أبحث عن حضن يحميني من القسوة فكيف لها أن تتحمل كل هذا الألم؟ كيف تُسحب من أمها وتُلقى في قبضة قاسية لا تعرف الشفقة؟ كيف يسمح أبٌ لنفسه أن يشارك في خنق صرخة من وُلدت من صلبه؟
أين كان قلب الأب حين سُحبت نرجس من أمها؟ هل جفّت مشاعر الأبوة إلى هذا الحد؟ هل أصبح التسلّط أقوى من الرحمة؟ كم من نرجس في هذا العالم تموت كل يوم دون أن يسمعها أحد؟
قضية نرجس ليست قضية عائلية خاصة بل قضية مجتمع بأكمله. مجتمع يحتاج إلى وقفة إلى قوانين تحمي الأطفال لا تعاقبهم إلى مؤسسات ترى ما خلف الجدران إلى وعي حقيقي بأن الطفولة ليست ورقة في محكمة بل حياة يُفترض أن تُعاش بكرامة.
نرجس إن لم نستطع أن نمنع ما حدث لها فواجبنا أن نحمي من قد يكون مكانها غدًا.
أن نُحاسب ونُصحّح ونُعلنها صراحة: لا تسامح مع من يؤذي طفلًا ولا تبرير لأب ينسى فطرته …
شكرا للقضاء الذي أوصلهم إلى أقصى عقوبة وهي ازهاق روحهم بنص القانون فبشر القاتل بالقتل …
المحامي
د.سيف علي الشمري
٢٥ / ٩ / ٢٠٢٥