حادثة البصرة هل هي تحرش جماعي ام اعتداء جماعي؟: قراءة قانونية في ضوء التشريعات العراقية
المحامية: الهام الركابي/مجمع محاكم مدينة الصدر
شهدت إحدى مدن الألعاب في البصرة حادثة تحرش جماعي استهدفت ثلاث فتيات، ما أثار موجة من الاستياء والغضب في الشارع العراقي. هذه الجريمة تسلط الضوء على خطورة التحرش بوصفه انتهاكاً صارخاً لكرامة الأفراد وأمنهم الشخصي، وتستدعي قراءة قانونية دقيقة لمعرفة العقوبات التي قد تواجه الجناة وفق القوانين النافذة في العراق.
التكييف القانوني للحادثة
لتحليل هذه الواقعة قانونياً، لابد من تحديد النصوص التشريعية التي تنطبق على أفعال الجناة. من خلال دراسة المواد ذات الصلة في قانون العقوبات العراقي، يمكن ترجيح خضوع الفعل للمادة 396 أكثر من المادة 402، وذلك للأسباب التالية:
أولًا: المادة 396 – الاعتداء على العرض بالقوة أو التهديد
تنص المادة 396/1 على معاقبة كل من “اعتدى بالقوة أو التهديد أو الحيلة أو بأي وجه آخر من أوجه عدم الرضا على عرض شخص، ذكراً كان أو أنثى، أو شرع في ذلك”، بالسجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس.
في حالة التحرش الجماعي الذي وقع في البصرة، يمكن القول إن الأفعال المرتكبة تجاوزت مجرد “التعرض للأنثى” أو “الإساءة بالقول”، بل تضمنت اعتداءً جسدياً ونفسياً جماعياً أدى إلى ترهيب الفتيات وانتهاك حرمتهن الجسدية.
• إذ أن الجناة استخدموا القوة لإجبار الضحايا على الخضوع لهذا الفعل المشين، فإن المادة 396 تكون هي الأكثر انطباقاً على الواقعة.
• كما أن الشروع في الاعتداء مشمول ضمن نطاق هذه المادة، أي أن الجريمة لا يشترط فيها إتمام الاعتداء كلياً، بل يكفي البدء فيه مع توفر النية الجرمية.
ثانيًا: المادة 402
تنص المادة 402/ب على معاقبة من “تعرض لأنثى في محل عام بأقوال أو أفعال أو إشارات تخدش حياءها” بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة.
بالمقارنة مع المادة 396، فإن المادة 402 تعاقب على سلوكيات أقل خطورة، مثل الإيحاءات اللفظية أو الإيماءات التي تمس الحياء، دون أن ترتقي إلى مستوى الاعتداء الجسدي أو التهديد.
• في حادثة البصرة، يبدو أن الأمر لم يقتصر على المضايقة الكلامية، بل تجاوز ذلك إلى تحرش جسدي جماعي، مما يجعله يدخل ضمن نطاق الاعتداء على العرض وليس مجرد التعرض غير الأخلاقي.
• المادة 402 قد تكون قابلة للتطبيق فقط في حال ثبوت أن بعض المشاركين لم يقوموا بأي فعل جسدي مباشر، بل اقتصر دورهم على التلفظ بعبارات مسيئة أو القيام بإيماءات غير أخلاقية.
العقوبات القانونية المحتملة
بناءً على ما سبق، فإن العقوبات المتوقعة للجناة وفقًا للمادة 396 قد تصل إلى السجن لسبع سنوات، وهو جزاء يتناسب مع جسامة الفعل وتأثيره النفسي والجسدي على الضحايا.
أما في حال تطبيق المادة 402 فقط، فإن العقوبة لن تتجاوز ثلاثة أشهر حبس، وهي عقوبة قد لا تكون رادعة بما يكفي أمام انتشار مثل هذه الجرائم.
ختاماً إن حادثة التحرش الجماعي في البصرة ليست مجرد واقعة فردية، بل مؤشر على ضرورة التحرك القانوني والمجتمعي الحازم لمواجهة هذه الجرائم. ومن خلال قراءة التشريعات العراقية، نجد أن المادة 396 هي الأكثر انطباقاً على هذه الجريمة نظراً لاشتمالها على الاعتداء على العرض بالقوة أو التهديد، مما يستوجب إنزال العقوبات الرادعة بحق الجناة لحماية الضحايا ومنع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.