تحويل عقد الزواج إلى مدونة الأحكام الجعفرية في العراق: جدل قانوني مستمر وسط غياب الحسم القضائي
المحامية: الهام الركابي/محاكم استئناف الرصافة
يُعد عقد الزواج من العقود التي تنشأ تبعاً لتلاقي إرادتين، وينتج عنه آثار قانونية واجتماعية تنظمها منظومة الأحوال الشخصية.
وقد كفل القانون العراقي إمكانية الرجوع إلى المرجعيات المذهبية في بعض الأحوال، لا سيما بعد الإقرار بمدونة الأحكام الجعفرية.
ومن هنا تثار مسألة قانونية بالغة الأهمية، تتعلق بإمكانية تحويل عقد الزواج القائم إلى مدونة الأحكام الجعفرية بإرادة الزوج المنفردة، دون اشتراط موافقة الزوجة، وما إذا كان هذا التحويل يقع ضمن نطاق السلطة التقديرية للزوج أم أنه مشروط بالتوافق الثنائي للعقد.
بالعودة للإطار القانوني للتحول إلى مدونة الأحكام الجعفرية فقد نص دستور جمهورية العراق في المادة (41) على أن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم واختياراتهم”.
ومن ثم، فقد فسح المجال أمام تنوع المرجعيات القانونية في مسائل الأحوال الشخصية، ومن ضمنها مدونة الأحكام الجعفرية التي طُرحت كمصدر بديل لقانون الأحوال الشخصية.
إلا أن هذا النص الدستوري جاء عاماً، ولم يتضمن قواعد إجرائية واضحة بشأن آليات التحول أو الشروط المترتبة عليه، خصوصاً فيما يتعلق بالعقود السابقة على اختيار المدونة الجعفرية.
جدلية الموافقة الزوجية في التحويل من القانون الى المدونة
تتأسس جدلية الموافقة الزوجية على قاعدة قانونية مستقرة، مفادها أن العقد شريعة المتعاقدين حيث ان العقود لا تعدل إلا باتفاق أطرافها، عملاً بنص المادة (146) من القانون المدني العراقي، التي تقرر أن:
“اذا نفذ العقد كان لازما ولا يجوز لاحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله الا بمقتضى نص في القانون او بالتراضي”.
وانطلاقاً من هذا، فإن تحويل عقد الزواج من قانون إلى آخر – لاسيما حين يترتب على هذا التحويل اختلاف جوهري في الحقوق والواجبات – لا يمكن أن يتم بإرادة أحد الطرفين دون الآخر، ما لم يكن النص القانوني قد أجاز ذلك صراحة.
إلا أن الرأي الآخر، الذي تبنّته بعض المحاكم، يستند إلى اعتبارات فقهية تتعلق بالقوامة والولاية الشرعية، ويمنح الزوج حق اختيار النظام القانوني الذي يحكم العلاقة الزوجية دون اشتراط موافقة الزوجة، خصوصاً في حال كان التحويل ينسجم مع مذهبه الديني أو معتقده الشخصي.
موقف القضاء العراقي
في ظل غياب نص قانوني صريح ينظم هذه المسألة، ولم تُصدر محاكم الاستئناف بصفتها التمييزية او محكمة التمييز الاتحادية حتى لحظة كتابة هذا المقال أي قرار تمييزي ملزم يحسم النزاع بشأن اشتراط موافقة الزوجة على تحويل عقد الزواج إلى مدونة الأحكام الجعفرية. ونتيجة لذلك، اختلفت توجهات محاكم الأحوال الشخصية في التعامل مع طلبات التحويل، ما بين مؤيد لسلطة الزوج المنفردة، وما بين مشترط لموافقة الزوجة
الصريحة.
ومن المعروف أن اجتهادات المحاكم الأدنى لا تُعد مصادر إلزامية، بل تبقى محصورة في نطاق التطبيق القضائي المؤقت، وقابلة للنقض متى ما تم الطعن فيها وصدور مبدأ قضائي مغاير من محكمة التمييز.
ختاماً ،أن مسألة تحويل عقد الزواج إلى مدونة الأحكام الجعفرية دون موافقة الزوجة تبقى محل جدل قانوني واجتهادي، ولم تحسمها السلطة القضائية بعد.