الستيكرز والإيموجي سلاح ذو حدين
الدكتور . باسم الجحيشي/ دكتوراه قانون عام.
تتسارع وتيرة التطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي وتتنوع أساليبها في عصرنا حيث برزت الستيكرز والإيموجي كسلاح وأدات فعّالة على تلك التطبيقات والمنصات لتعبير الفرد عن المشاعر أو الأفكار في المراسلات والمحادثات كونها تختصر الكلمات طبقًا للمقولة الشهيرة (الصورة تغني عن الف كلمة ) وبوصفها نوع من انواع الاتصال غير اللفظي اذ عادت بذلك الى لغة الجسد كالايماءات و الاشارات والايحاءات، فالستيكرز (Stickers) هي ملصقات رقمية تكون عادةً صورًا أو رسومًا تُستخدم في الرسائل والمحادثات الرقمية للتعبير عن المشاعر أو الأفكار وتكون أكثر تفصيلاً من الإيموجي (Emoji) الذي يقصد به رموز تعبيرية تكون عادةً ايقونة صغيرة تُستخدم أيضًا في الرسائل والمحادثات الرقمية للتعبيرعن المشاعر أو الأفكار. وقد أتاحت الشركات المنتجة لأجهزة وبرمجيات التواصل الشبكي أكثر من (3664 ) ملصق و رمز تعبيري يعبر عن الحالة المزاجية للفرد، كما أشارت الدراسات أن الملصقات والرموز أصبحت لغة عالمية (غير رسمية) وحسب الاحصائيات يتم أرسال أكثر من (6) مليار رسالة كل يوم تتضمن ملصقات و رموز تعبيرية تتدوال من قبل (92%) من مستخدموا الانترنيت في العالم .
واذا استخدم الفرد في علاقاته مع الاخرين هذا السلاح من الملصقات والرموز المرئية بشكل صحيح فأنها تساعد في نقل المشاعروالافكار المقبولة الى افعال مباحة لتوضيح النبرة التي قد تغيب عن النصوص المكتوبة وتختصر العبارات ويمكن لها أن تعمل كجسر بين الثقافات واللغات، حيث تتفق العديد من الشعوب على معانيها الأساسية. كالستيكرز لصورة شخصية مبتسمة والإيموجي ذا الوجه الضاحك معناها الفرح، أما الستيكرز لرسوم دامعة والإيموجي ذا الوجه الباكي معناها الحزن، أيضًا الستيكرز لرسوم ولصورة شخص يرفع يديه بشكل دائرة فوق رأسه والإيموجي الإبهام المرفوع إلى الأعلى معناها الموافقة، وكذلك الستيكرز لرسوم ولصورة شخص يخفض رأسه ويده على صدره والإيموجي ذا اليدان المضمومتان معًا أو ذا الوجه المبتسم بعيون سعيدة معناها الشكر والامتنان..الخ.
أما اذا استخدم الفرد في علاقاته مع الاخرين هذا السلاح من الملصقات والرموز المرئية بشكل غير صحيح فأنها تساعد في نقل المشاعروالافكار غير المقبولة الى أفعال مجرمة لا سيما أنه يختلف تفسيرها وقبولها بأختلاف نوع الجنس والمكان والزمان والكلمات المصاحبة لها وعوامل أخرى مما يترتب عليها آثار قانونية من خلال القضايا المدنية والجزائية أمام المحاكم أو الجزاءات التأديبية التي تتخذ من خلال المؤسسات بسبب انتهاك القوانين النافذة والتعدي على حقوق الافراد والمؤسسات والإساءة اليهم، فالستيكرز لصورة شخصية غير لائقة أو لفنان مشهور ساخر والإيموجي الضاحك بسخرية يمكن استخدامها للإهانة والاستهزاء، أما الستيكرز لصورة شخصية شاهرة للسلاح والإيموجي المسدس أو البندقية أو السكين يمكن استخدمها للتهديد و الترهيب، أيضًا الستيكرز لرسوم ترسل قبلات والإيموجي ذا الوجه المقترن بالقلب الاحمر أو القبلة يمكن استخدامها للتحرش، كذلك الستيكرز لصورة شخصية الوجه الاحمرالغاضب وقبضة اليد مقفلة والإيموجي ذا الوجه الغاضب يمكن استخدامها للامتعاض والرفض ..الخ.
فالعلاقات التي تترتب عليها آثار قانونية بسبب استخدام الفرد هذا السلاح (الستيكرز والإيموجي)بشكل غير صحيح منها على سبيل المثال :
• العلاقات الزوجية. في قضية مثيرة للرأي العام حكمت إحدى محاكم الكويت على زوجة بدفع تعويض مبلغ يقدر(1300) دينار كويتي أو ما يعادل (4200) دولار أمريكي لصالح الزوج ، بسبب ارسال الزوجة ستيكرز (صورة شخصية غير لائقة) للزوج خلال محادثتهما عبر احد تطبيقات التواصل الاجتماعي وأنقسم الرأي العام بين مؤيد ومنتقد لشكوى الزوج كون العلاقة الزوجية مقدسة ولاسيما في مجتمعنا العربي أذ يفترض ان يسود تلك العلاقة كل الود والاحترام المتبادل بين الزوجين .
• العلاقات الشخصية. في قضية شهيرة حكمت إحدى محاكم فرنسا بالحبس لمدة ثلاثة أشهر على شاب كونه ارسل إلى صديقته السابقة إيموجي (بندقية) عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي أذ تم تفسيره على أنه تهديد بالقتل بسبب وجود خلافات حصلت بينهما .
• العلاقات التجارية. في سابقة قضائية حكمت إحدى محاكم كندا على فلاح بدفع تعويض مبلغ يقدر( 62000) دولار أمريكي لصالح إحدى الشركات، إذ اتفق الطرفان على عقد شراء حبوب وتم ارسال العقد موقعًا من الشركة الى الفلاح عبر (الوتساب) احد تطبيقات التواصل الاجتماعي فرد عليه الفلاح بإيموجي (الإبهام المرفوع إلى الأعلى)،الشركة فهمت أنه موافق على العقد وأرسلت شحنة الحبوب الى المزرعة فرفض الفلاح استقبالها ورفض دفع ثمنها بحجة انه لم يوافق على العقد و أن الإيموجي كان تأكيد على استلام نسخة العقد، الا ان المحكمة حكمت بدفع التعويض بناءً على اعتبار الإيموجي كموافقة رسمية بمقام توقيع العقد .
• العلاقات المهنية. في سابقة مؤسساتية تعرضت موظفة تعمل في أحدى مؤسسات استراليا لعقوبة الفصل من الوظيفة كونها ارسلت الى مديرتها عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي إيموجي (ذا الوجه الغاضب) تعقيبًا على توجيهات ارسلتها مديرة المؤسسة أذ تم تفسيره على أنه امتعاضًا ورفضًا للتوجيهات.
ونتيجة الى ذلك التطور في عالم التكنولوجيا الرقمية شرعت معظم الدول لتنظيم هذا المجال في قوانين خاصة بالجرائم الالكترونية، فعلى الرغم من أن مشروع قانون الجرائم الالكترونية في العراق لازل جنين في رحم السلطة التشريعية ولم يشرع الى الآن، الا أن القضاء العراقي يلتزم بتطبيق القانون و مواكبة تطورات الواقع العملي عند النظر في القضايا المعروضة أمامه ويصدر الأحكام القضائية بما يتلاءم مع التطور التكنولوجي وكل ذلك تم تأكيده في مقال حول (جرائم الإيموجي) للقاضي الفذّ “اياد محسن ضمد” أحد السادة القضاة المختصين تحقيقاً لمبدأ العدالة وفق قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل اذ بينت المواد 215 و403 إمكانية ارتكاب الجريمة من خلال رموز وصور، ويلاحظ أن القوانين وضعت لتتماشى مع التطورات والتحديثات المستقبلية في العالم، وبالتالي يجب على الفرد في علاقاته مع الاخرين أستخدام هذا السلاح ذو الحدين (الستيكرز و الإيموجي) بفعالية واحترافية للتعبير عن المشاعر والافكار كما يجب على الفرد توخي الحذر وعدم المبالغة عند الاستخدام وأن يكون على قدر من الوعي و الفهم للآثار القانونية التي تشكل جريمة يحاسب عليها وفق قانون العقوبات حال إساءة إستخدام هذا السلاح.