لماذا نلجأ إلى الاستشارة القانونية؟ (دليل مبسط لمن يبحث عن الحقيقة لا الشهرة)

المحامية: نور جواد الدليمي/محاكم استئناف الكرخ.

في زمننا اليوم، أصبح الوصول إلى المعلومة أسهل من أي وقت مضى، ولكن في المقابل، انتشرت المنشورات القانونية السطحية والمضللة، وأصبحت الريلز والفيديوهات القصيرة تختصر قوانين معقدة في بضع ثوانٍ، مما يوقع الكثيرين في فخ الأخطاء القانونية. لذلك، بات من الضروري أن نُذكّر أنفسنا والجمهور بأهمية الاستشارة القانونية الحقيقية، ومن هم الأشخاص الذين يحق لهم تقديم هذه الاستشارة ولماذا نلجأ إليهم أصلاً.

الاستشارة القانونية ليست مجرد رأي عابر أو اجتهاد شخصي، بل هي رأي دقيق يصدر عن شخص مؤهل ومجاز قانونياً، تكون لديه القدرة على فهم وضعك وتحليل مشكلتك بعمق، وتقديم حلول وخيارات مبنية على القوانين النافذة والمعمول بها. هي نتيجة لدراسة متأنية وتحليل دقيق للوقائع المحيطة بالقضية، وليست نصيحة عامة يمكن تطبيقها على الجميع.

الشخص الصحيح الذي ينبغي التوجه إليه عند الحاجة لاستشارة قانونية هو المحامي المجاز الذي أنهى دراسته القانونية بنجاح، واجتاز متطلبات النقابة وأصبح مخولاً بالترافع وتقديم المشورة. كما يمكن أن نستفيد أحياناً من خبرات القضاة المتقاعدين أو الأكاديميين المتخصصين في تدريس القانون، خاصة عندما نبحث عن تفسير قانوني أو رأي علمي. غير أن الاستشارة الأكاديمية لا تغني عن استشارة المحامي الممارس عندما يتعلق الأمر بإجراءات قانونية عملية.

قد يتساءل البعض: لماذا لا نكتفي بما هو منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي من معلومات قانونية؟ الحقيقة أن هذه المنشورات، وإن بدت مفيدة في ظاهرها، إلا أنها لا تراعي خصوصية كل حالة على حدة، وغالباً ما تكون مجتزأة أو حتى خاطئة تماماً، ناهيك عن أن الكثير منها يقدمه أشخاص غير مختصين يسعون للمتابعة والانتشار لا أكثر. ومن هنا، تأتي خطورة الاعتماد على هذه المصادر، لأنها قد تضللك وتقودك إلى خطوات خاطئة تؤدي إلى ضياع حقوقك أو تورطك في مسؤوليات قانونية أنت في غنى عنها.

الاستشارة القانونية ليست ترفاً كما يظن البعض، بل هي وقاية قانونية حقيقية تحميك من الوقوع في مشكلات أنت في غنى عنها. نحن نلجأ للاستشارة القانونية لفهم موقفنا القانوني بشكل دقيق قبل اتخاذ أي إجراء، ولتجنّب الوقوع في فخ الدعاوى الكيدية أو العقود المجحفة التي قد تضعنا في مواقف قانونية صعبة، وأيضاً لتحصين أنفسنا قانونياً سواء في حياتنا العملية أو الشخصية.

ديننا الحنيف لم يغفل أهمية المشورة، بل جعلها من أسس التعامل الحكيم. قال الله تعالى في محكم كتابه: “وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ” (آل عمران: 159)، وهذه الآية الكريمة تعكس أهمية المشورة حتى في أعلى درجات القيادة. كما ورد عن النبي (ص) قوله: “ما خاب من استخار، وما ندم من استشار”، في إشارة واضحة إلى أن الاستشارة باب من أبواب النجاح والسلامة. وقد قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) قولاً بليغاً: “من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها”، وهو تأكيد آخر على قيمة التشاور والاستفادة من عقول وخبرات الآخرين. ولعل أفضل ما يلخص أهمية الاستشارة هو المثل العالمي الذي يقول:
“A problem well stated is a problem half solved.” أي أن عرض المشكلة بشكل واضح على شخص مختص هو نصف الحل.

لكن كيف نضمن أن من نستشيره محامٍ موثوق؟ علينا أولاً التأكد من كونه مسجلاً في نقابة المحامين، والاطلاع على سمعته في المجتمع القانوني. كما يجب الحذر من أي شخص يعدك بنتائج قطعية أو يستخدم لغة شعبوية تغريك بوعود براقة غير واقعية، فالمحامي المتمكن يتحدث بلغة القانون وليس بلغة الاستعراض.

في نهاية المطاف، وفي ظل هذا العصر السريع الذي نعيش فيه، تبقى الاستشارة القانونية فعل وعي ومسؤولية. لا تستهين بمشكلتك ولا تخضع لبريق المنشورات السريعة، بل ضع أمورك القانونية بين أيدٍ مؤهلة تعرف كيف تدافع عن حقوقك وتوجهك نحو الطريق الصحيح، فالمعرفة الصحيحة لا تتجزأ، والحق لا يُنال إلا بالدراية.