محامي متخصص بالدعاوى الجزائية والابتزاز الالكتروني

هل يمكن مقاضاة شخص بسبب تعليق على منشور في وسائل التواصل الاجتماعي؟

المحامية إلهام الركابي

في ظلّ تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات للتعبير وتبادل الرأي، تزايدت في المقابل مظاهر الإساءة اللفظية والتشهير العلني، الأمر الذي يُثير تساؤلات قانونية بشأن مدى إمكانية مساءلة مرتكبي هذه الأفعال وفقاً للقانون العراقي، لا سيما عند استخدام الألفاظ أو التعليقات التي تنال من السمعة أو تمس الكرامة.

أولاً: الأساس القانوني للمساءلة عن التعليقات المسيئة

رغم أن المشرّع العراقي لم يُخصّص نصاً صريحاً يتناول “التعليقات الإلكترونية” بشكل مباشر، إلا أن الأفعال المسيئة التي تصدر عن طريقها يمكن تكييفها قانونًا ضمن الأوصاف الآتية:

السبّ والقذف:
وفقًا لقانون العقوبات العراقي ، يُعدّ مرتكباً لجريمة القذف كل من أسند إلى غيره، علناً، واقعة من شأنها أن تُهين سمعته أو تُعرّضه للازدراء. وتُعدّ الكتابة أو النشر الإلكتروني من الوسائل العلنية الداخلة في نطاق تطبيق النص.

التشهير:
وهو نشر وقائع أو معلومات، سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة، بطريقة علنية، بقصد النيل من سمعة شخص أو الإساءة إلى اعتباره الاجتماعي أو الوظيفي.

التحريض والتمييز والتهديد:
في حال تضمّن التعليق إساءة قائمة على أسس عرقية أو طائفية، أو تحريضاً على الكراهية أو العنف أو تهديداً صريحاً، فقد يُشكّل ذلك جريمة إضافية يُعاقب عليها وفقًا لنصوص قانون العقوبات.

لذا ولأغراض التقاضي، يجب توثيق المحتوى المسيء قبل احتمالية حذفه أو التلاعب به. ويُستحسن اتخاذ الإجراء التالي: حفظ لقطة شاشة تشمل اسم الحساب، صورة الملف الشخصي، وتفاصيل التعليق..

ثالثًا: الإجراءات القانونية المتاحة

يجوز للمتضرر سلوك أحد المسارات القانونية التالية:

تقديم شكوى لدى الجهات الأمنية مدعومة بالأدلة الرقمية.

رفع دعوى جزائية بتهمة القذف أو السب أو التشهير، حسب وصف الفعل.

المطالبة بتعويض مدني عن الضرر الأدبي والمعنوي المترتب على التعليق المسيء، وفق أحكام المسؤولية التقصيرية.

رابعاً: موقف القضاء العراقي

تشهد المحاكم العراقية اهتماماً متزايداً بقضايا الإساءة عبر الوسائل الإلكترونية، خاصة في ضوء تنامي الجرائم الإلكترونية وتوسّع أثرها المجتمعي. وتُولي الهيئات القضائية أهمية لحماية السمعة والكرامة الإنسانية، بما ينسجم مع مبادئ العدالة وسيادة القانون.

خامساً: حدود حرية التعبير

رغم أن الدستور العراقي يكفل حرية التعبير (المادة 38)، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل تُقيَّد بعدم التعدي على حقوق الآخرين أو المساس بكرامتهم أو سمعتهم. فحرية الرأي لا تُبرّر الإهانة أو التشهير.

خلاصة قانونية:

نعم، يحق للمتضرر من تعليق مسيء منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن يلجأ إلى القضاء، إذا توفرت في الفعل العناصر المكوّنة لجرائم السبّ أو القذف أو التشهير، وكانت الأدلة كافية لإثبات ذلك. وتُعدّ هذه المنصات خاضعة للقانون، ولا تُعفي مرتاديها من المسؤولية عن الأفعال الضارة التي تصدر عنهم.

فكن مسؤولاً عن كلماتك… فربّ تعليق قد يجرّك إلى قاعة المحكمة، أو يعبّر عن وعيك القانوني واحترامك للغير