عقد الإذعان في القانون العراقي: ضمانات حماية المستهلك من الشروط المجحفة
المحامي – احمد عادل العابدي
يُعد عقد الإذعان من أبرز أنواع العقود التي تثير إشكالية في ميزان العدالة التعاقدية، نظراً لكونهِ عقداً يُبرم في ظل تفاوت ملحوظ في القوة التفاوضية بين طرفيه، حيث يُفرض أحد الطرفين وهو عادةً مزود الخدمة أو المحتكر، شروط العقد بصيغة موحدة غير قابلة للنقاش، بينما لا يكون أمام الطرف الآخر وغالباً ما يكون مستهلكاً سوى القبول بتلك الشروط كما وردت أو رفض التعاقد برمّته.
وتتجلى تطبيقات عقد الإذعان في العديد من المعاملات اليومية، كعقود خدمات الاتصالات، أو الاشتراك في الإنترنت، أو فتح الحسابات المصرفية، أو شراء تذاكر السفر، أو عقود الاستخدام لمواقع إلكترونية أو تطبيقات ذكية، حيث يُمنح المستخدم “موافقة افتراضية” دون أدنى إمكانية للتعديل أو التفاوض على الشروط.
•الإطار القانوني لعقد الإذعان في القانون المدني العراقي..
أدرك المشرع العراقي الطبيعة غير المتوازنة لهذا النوع من العقود، وما ينطوي عليه من احتمال تعسف الطرف الأقوى في فرض شروط تُرهق الطرف الضعيف أو تُحمّله التزامات غير عادلة. وعليه، فقد نظم عقد الإذعان بموجب المادة (2/167) من القانون المدني العراقي، والتي نصت على ما يلي:
“إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان يتضمن شروطاً تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقاً لمقتضيات العدالة والإنصاف.”
ويُفهم من هذا النص أن المشرّع لم يكتفِ بمجرد الاعتراف بعقد الإذعان، بل أقر تدخلاً قضائياً مباشراً عند تحقق الشروط المجحفة، وهو ما يُعد خروجاً نسبياً عن مبدأ سلطان الإرادة وحرية التعاقد، مراعاة لمصلحة الطرف الضعيف..
•صور الحماية القانونية للمستهلك في عقود الإذعان.
1.سلطة القاضي في تعديل أو إبطال الشروط المجحفة.
تتمثل أبرز مظاهر الحماية القانونية في تخويل القاضي سلطة تقديرية لتعديل الشرط المجحف أو إلغائه عند ثبوت تعسفه وإخلاله بمبادئ العدالة، وذلك بموجب نص المادة (167). ويُشترط لذلك أن يكون العقد قد تم بطريقة الإذعان، وأن يتضمن شرطاً يثبت للقاضي عند فحصه أنه يرهق الطرف الضعيف بشكل غير مبرر.
- تفسير الشروط الغامضة لمصلحة الطرف المذعن.
استقر القضاء العراقي، شأنه شأن العديد من الأنظمة القانونية، على قاعدة تفسير الشروط غير الواضحة أو المبهمة في عقد الإذعان لمصلحة الطرف الأضعف. وهذا ما ينسجم مع التوجه العام لحماية المستهلك من الاستغلال المعلوماتي واللغوي الذي قد يمارسه الطرف القوي عند صياغة العقد.
3.حق الطرف المذعن في التحلل من العقد في العقود المستمرة.
منح المشرّع للطرف المذعن، في بعض الحالات، لاسيما في العقود الزمنية المستمرة أو طويلة الأمد (كعقود الاشتراك)، إمكانية الانسحاب من العلاقة التعاقدية دون تحمّله جزاءات مالية مرهقة، متى ما ثبت أن استمرار العقد يوقع به ضرراً فادحاً أو يكبّله بشروط مجحفة خارجة عن طاقته أو حاجته.
•التحديات التي تواجه حماية المستهلك في عقود الإذعان.
رغم وضوح النص القانوني ووجود آليات حمائية في التشريع العراقي، إلا أن هناك عدداً من التحديات التي تحدّ من فعالية تلك الحماية في الواقع العملي، وأبرزها:
*ضعف الوعي القانوني لدى المستهلكين
إذ يجهل الكثير من الأفراد حقوقهم القانونية في مواجهة عقود الإذعان، ويعتقدون خطأً بأن قبولهم للشروط يُسقط عنهم أي حماية قضائية لاحقة.
*ارتفاع كلفة التقاضي وطول إجراءاته.
يخشى العديد من المستهلكين اللجوء إلى القضاء اعتراضاً على شرط مجحف بسبب ما ينطوي عليه ذلك من كلفة مالية وزمنية، لا سيما في الحالات التي تكون قيمة النزاع فيها محدودة.
•توصيات لتعزيز الحماية التشريعية والعملية
لتجاوز تلك التحديات وتحقيق حماية فعالة للمستهلكين في عقود الإذعان، يُقترح ما يلي:
- تعزيز التثقيف القانوني
يتعين على الجهات المعنية، بما في ذلك جمعيات حماية المستهلك ووسائل الإعلام، نشر الوعي حول الحقوق القانونية المتاحة للمستهلكين بموجب المادة (167) من القانون المدني. - تيسير إجراءات التقاضي في هذا النوع من العقود.
من خلال تخصيص مسارات سريعة ومبسطة للنظر في النزاعات الناشئة عن عقود الإذعان، لا سيما تلك التي لا تتجاوز قيمة مالية معينة، أسوة بما هو معمول به في محاكم “المنازعات الصغيرة” في بعض الأنظمة القانونية. - تفعيل الدور الرقابي للجهات التنظيمية.
ينبغي تمكين الجهات الحكومية ذات العلاقة، كجهاز حماية المستهلك، من مراجعة العقود النموذجية المعتمدة من الشركات والمؤسسات الكبرى، وإلزامها بإزالة الشروط التعسفية التي تتعارض مع مبادئ الإنصاف والعدالة.