قراءة تحليلية في نص المادة (٨٦) من المدونة الجعفرية الشيعية بين حماية الطفل وجمود التطبيق القضائي
بقلم المحامي الدكتور سيف علي الشمري
أثارت المادة (٨٦) من المدونة الجعفرية الشيعية نقاشاً واسعاً في الأوساط القانونية والاجتماعية لما تضمّنته من أحكام تتعلق بالحضانة ومسؤولية الحاضن تجاه الطفل.
وجاء نص المادة على النحو الآتي:
«…إذا لم يكن الحاضن يقوم بواجبات الحضانة ويتضرر الولد بذلك لا سيما إذا كان يتعرض إلى العنف المتكرر أو يسيء تربيته، جاز رفع الدعوى عليه عند القاضي فيلزمه القاضي برعاية واجبات الحضانة وتأمين مصلحة الولد، فإن تخلف عن ذلك انتزع الولد منه وأوكل إلى من يصلح لذلك من الأبوين وغيرهما.»
فان دلالة النص ومقصده يتضح منه أن المشرّع العراقي أراد تحقيق مصلحة الطفل العليا من خلال تمكين القاضي من التدخل حين يثبت تقصير الحاضن أو إساءته في أداء واجباته لا سيما في حالات العنف المتكرر أو الإهمال التربوي.
ويُفهم من النص أن الأصل هو بقاء الطفل لدى الحاضن طالما يقوم بواجباته وأن نزع الحضانة لا يتم إلا بعد ثبوت الضرر وتخلف الحاضن عن الإصلاح رغم إنذاره من قبل المحكمة.
وان الجدل المثار حول النص لم ينشأ حول مبدأ حماية الطفل وإنما حول الآلية التي حددها النص لمعالجة حالات التعنيف.
فالنص ـ بحسب قراءته الحرفية ـ قيد سلطة القاضي إذ جعله ملزماً أولاً بتنبيه الحاضن وحثّه على تحسين معاملته للطفل ولا يملك القاضي إسقاط الحضانة فوراً إلا بعد هذا الإجراء. وهذا التقييد وإن كان يهدف إلى تحقيق العدالة الإجرائية ومنع التعسف في سحب الحضانة إلا أنه قد يؤدي عملياً إلى استمرار تعرض الطفل للعنف في الفترة الفاصلة بين التنبيه والتنفيذ وهو ما اعتبره بعض المختصين ثغرة يمكن أن تضعف الحماية الفعلية للطفل.
وان التمييز بين تطبيق الحكم الشرعي وتطبيق النص القانوني
من المسائل الجوهرية التي نُبه إليها المعلقون على المادة أن تطبيق الحكم الشرعي من قبل الحاكم الشرعي شخصياً بما له من سلطة عامة وولاية قضائية شرعية يختلف جذرياً عن تطبيقه من قبل قاضٍ مدني يلتزم بحدود النصوص القانونية الجامدة. فبينما يمتلك الحاكم الشرعي صلاحية تقديرية واسعة تسمح له باتخاذ إجراءات فورية لحماية الطفل فإن القاضي المقيّد بنص المادة لا يستطيع إلا أن يتبع الخطوات المحددة فيها مما قد يؤدي إلى بطء الاستجابة لحالات العنف أو الإهمال.
وهذا ما يجعلنا نتحدث عن الأثر الاجتماعي للنص حيث تُظهر الوقائع الميدانية أن حالات العنف الأسري ضد الأطفال آخذة بالازدياد، وبعضها بلغ مراحل خطيرة وصلت إلى التعذيب أو القتل وهو ما يثير تساؤلات جادة حول مدى كفاية النصوص القانونية القائمة في ردع المعتدين وحماية الضحايا الصغار. فجمود النص وعدم منح القاضي صلاحية فورية في سحب الحضانة قد يفتح الباب أمام استمرار الانتهاكات خاصة في ظل غياب آليات رقابة أسرية فعالة.
وان اردنا ان نقوم ب قراءة إصلاحية
لتحقيق التوازن بين الحفاظ على حقوق الحاضن ومصلحة الطفل يمكن اقتراح تعديل المادة (٨٦) بحيث تُمنح المحكمة صلاحية تقديرية لاتخاذ إجراءات وقائية عاجلة في حال ثبوت تعرض الطفل للعنف الجسدي أو النفسي دون الحاجة إلى إنذار مسبق مع إمكانية إعادة النظر في قرار الحضانة لاحقاً إذا زالت أسباب الضرر. كما ينبغي تعزيز دور لجان حماية الطفل والمؤسسات الاجتماعية لمساندة القضاء في تنفيذ هذه الأحكام ومتابعتها.
وفي الختام إن المادة (٨٦) من المدونة الجعفرية جاءت بنية حماية مصلحة الطفل غير أن الصياغة الحالية للنص قد تؤدي ـ من حيث التطبيق ـ إلى نتائج معاكسة لمقصده الشرعي والإنساني. ومن ثمّ فإن تطوير النصوص القانونية لتتلاءم مع واقع المجتمع وضمان حماية الأطفال من العنف والتهميش يُعد واجباً شرعياً وأخلاقياً قبل أن يكون مطلباً تشريعيا