حين يختلط القانون بالرأي العام: ماذا يعني فعلاً “المحتوى الهابط”؟
المحامية الهام الركابي/محاكم اسئناف الرصافة
في زحمة الضجيج الإعلامي، وبين زوايا السوشيال ميديا، صعد إلى السطح مصطلح بات يتردد على الألسنة كما لو كان تهمة جنائية جاهزة: “المحتوى الهابط”.
ماذا يعني هذا المصطلح؟ ومن يقرر ما إذا كان المحتوى “هابطاً” أم لا؟ والأهم: هل لهذا التوصيف وجود في قاموس القانون؟
الإجابة : لا وجود قانوني لهذا المصطلح.
“المحتوى الهابط” ليس أكثر من تعبير اجتماعي وإعلامي، يحمل في طياته حكماً أخلاقياً أو ذوقياً، لا قانونياً.
لا يوجد نص واحد في القوانين العراقية المعمول بها يشير إلى “المحتوى الهابط” كجريمة.
لكن هذا لا يعني أن صانعي هذا النوع من المحتوى في مأمن من الملاحقة، فالقانون لا يعاقب على “الهبوط”، بل يعيد تكييف الفعل بحسب ما هو متاح في ترسانته القانونية:
*المادة 403 من قانون العقوبات العواقي، تنطبق على من ينشر أو يوزع أو يعرض مواد تُعد “مخلة بالحياء أو الآداب العامة”.
كذلك المادة 434، تُستخدم عندما يتضمن المحتوى قذفاً أو سباً موجهاً لأشخاص بعينهم. وأحياناً تُستحضر بعض فقرات مشروع قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية، رغم أنه لا يزال يخضع للنقاش والقراءة داخل مجلس النواب.
ويبقى السؤال من يحدد ما هو “مخلّ” أو “مسيء”؟
هنا تكمن الإشكالية الكبرى،فمصطلح “المحتوى الهابط” لا يحمل تعريفاً قانونياً دقيقاً، بل يُترك لتقديرات متباينة قد تتأثر بأهواء أو ضغوط سياسية واجتماعية. وبذلك، يصبح هذا المصطلح أداة مطاطة، يمكن أن تُستخدم لتقييد الحريات، أكثر مما تُستخدم لحماية الأخلاق العامة.
ختاماً لا يوجد في القانون العراقي ما يُسمى بـ”المحتوى الهابط”. بل ان المحاسبة القانونية تستند إلى مواد قائمة، مثل المادة 403، ووفقاً لطبيعة المحتوى.
كما ان استخدام مصطلحات غامضة كهذه يخلط بين الأخلاق والقانون، بين الذوق الشخصي والحقوق العامة.
ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من التوصيفات الأخلاقية، بل قانون واضح، وخطاب حقوقي عادل، لا يُحاكم النوايا ولا يخضع للمزاج العام.