تسجيل علامة تجارية في العراق
|

تقليد العلامات التجارية في العراق… قرار تمييزي يقلب الموازين

المحامية نور جواد الدليمي

في زمن تتزايد فيه جرائم تقليد العلامات التجارية وتغرق الأسواق منتجات غير أصلية تهدد المستهلك والاقتصاد، يبرز القضاء العراقي ليقدم واحدة من أكثر القرارات تأثيراً في رسم حدود المسؤولية الجنائية. فقد أصدرت محكمة استئناف كربلاء بصفتها التمييزية بتاريخ 3/8/2025 قراراً مثيراً قلب معادلة الإدانة رأساً على عقب في قضية تتعلق بحيازة منتجات تحمل علامات تجارية مقلدة، ليوجه رسالة واضحة: العدالة لا تقوم على مجرد الحيازة، بل على بحث النية، تتبع مصدر البضاعة، وتحديد الجاني الحقيقي في جرائم الغش التجاري.

هذا القرار لم يكن عادياً، بل تحول إلى مرجع قانوني بارز لكل من يشتغل في القانون التجاري، حماية العلامات التجارية، والاستشارات القانونية للشركات، لأنه أعاد تعريف طريقة تطبيق المادة 35 من قانون العلامات والبيانات التجارية، وهي المادة الأكثر صرامة في مواجهة جرائم التقليد.

محكمة الجنح… إدانة أولية استندت إلى ظاهر البضاعة المضبوطة

بدأت القضية عندما ضبطت الجهات المختصة داخل مخزن في كربلاء مواد تنظيف من نوع (فيجا) ومادة القاصر (صحت)، وقد تبين أنها تحمل علامات تجارية مقلدة. وبناءً على ذلك، أصدرت محكمة جنح كربلاء بتاريخ 22/7/2025 حكماً يقضي بحبس المتهم لمدة ثلاثة أشهر استناداً إلى المادة 35 من قانون العلامات التجارية، كما قررت مصادرة المنتجات المخالفة وتسليمها إلى وزارة الصناعة والمعادن / التنمية الصناعية.

كانت الرؤية في ظاهرها بسيطة: بضاعة مقلدة = إدانة.
ولكن السؤال الأخطر الذي غُيِّب في هذه المرحلة:
هل كان المتهم يعلم؟ ومن هو الجاني الحقيقي الذي قام بإنتاج هذه المواد؟

مرحلة الطعن… حين ظهرت الأسئلة التي غيّرت القضية تماماً

عند الطعن بالحكم بتاريخ 28/7/2025، بدأت الحقائق تتكشف. فقد أكد المتهم أنه اشترى المواد من شخص معروف في كربلاء يُدعى (م. ا)، بل قدّم رقم هاتفه ايضاً، نافياً علمه بكون البضاعة مقلدة. الأهم من ذلك أن الممثل القانوني لمديرية التنمية الصناعية أوضح أمام المحكمة بأنه لا دائرته لا ترغب بالشكوى ضد البائع، وإنما ضد صاحب المعمل الذي أنتج المواد المقلدة، وهو الطرف الأهم في الدعوى، لكنه غاب تماماً عن إجراءات التحقيق.

هذا الاعتراف وحده يكفي ليغير مسار أي قضية في جرائم الغش التجاري وتقليد العلامات التجارية، لأنه يُظهر أن المسؤول الحقيقي لم يُبحث عنه إطلاقاً.

النقض التمييزي… عدالة تعيد تعريف تطبيق المادة 35

عند عرض الدعوى على محكمة استئناف كربلاء بصفتها التمييزية، كان القرار حاسماً. فقد رأت المحكمة أن الحكم المميز غير صحيح ومخالف للقانون، لأن التحقيق لم يصل إلى الجهة المنتجة للمواد، ولم تتحرَّ محكمة الموضوع عن مصدر البضاعة، ولم تبحث في مدى علم المتهم أو قصده الجرمي. وأكدت المحكمة أن مسؤولية المتهم لا يمكن تحديدها قبل معرفة من هو صاحب المعمل، وهل تمت ملاحقته، وما هي نتائج الإجراءات بحقه.

وبذلك، قررت المحكمة نقض الحكم وإعادة الدعوى لاستكمال التحقيق، لتعلن أن تطبيق المادة 35 لا يكون آلياً، بل يتطلب بحث القصد الجنائي وسوء النية والتحقق من سلسلة التوزيع والإنتاج.

وهذا القرار يمثل نقلة نوعية في قضايا حماية العلامات التجارية، لأنه يميز بين البائع حسن النية وبين المنتج المزوِّر، ويمنع إدانة التجار الصغار الذين قد تصل إليهم البضاعة دون علم.

المادة 35… نص شديد العقوبة لكن شديد الدقة أيضاً

تنص المادة 35 على عقوبات قاسية تصل إلى الحبس لخمسة سنوات وغرامات قد تصل إلى مليار دينار، إضافة إلى المصادرة الشاملة. لكنها تشترط وجود:

  • سوء نية
  • قصد في البيع أو التداول
  • علم بالتقليد أو التزوير

وفي هذا القرار، شددت المحكمة على أن هذه الشروط لا تُفترض، ولا تُبنى على مجرد الحيازة، بل يجب إثباتها، وهذا هو جوهر حماية العدالة التجارية.

قرار يفتح باباً جديداً لفهم قضايا الغش التجاري

هذا الحكم أصبح علامة فارقة لأن أسلوب التحقيق في قضايا التقليد غالباً ما يبدأ من “البائع”، بينما الجاني الحقيقي—المُنتِج—يبقى خارج الدعوى. القرار أحدث تحولاً واضحاً، مفاده أن الطريق إلى العدالة يبدأ من الجذر وليس من الأطراف، ومن المصنع وليس من الرفّ الذي وضعت عليه البضاعة.

إنه قرار يعيد الثقة للشركات ولأصحاب المحلات ولحملة العلامات التجارية على حد سواء، لأنه يُعيد ترتيب المسؤولية وفق ميزان صحيح.

وفي الختام…

إذا كنت صاحب شركة تجارية أو صناعية، علامة تجارية، مصنعاً، مستورداً أو موزعاً، أو تعمل في قطاع البيع بالتجزئة وتريد حماية نفسك من الوقوع ضحية لجرائم تقليد العلامات التجارية، فأنت تحتاج إلى محامٍ متخصص يفهم تحولات القضاء في هذا المجال، ويعرف كيف يدافع عنك في مواجهة الدعاوى التجارية والجزائية المعقدة.

وإذا كنت تبحث عن أفضل محامٍ عراقي متخصص في قضايا العلامات التجارية، الغش التجاري، الاستثمار، والعقود التجارية، فنحن جاهزون لتقديم الاستشارات القانونية والتوكل عنكم أمام جميع المحاكم والجهات المختصة بأعلى درجات الاحتراف والخبرة.

العلامة التجارية في العراق