تسجيل المكالمات في العراق.. اثبات قانوني ام انتهاك للخصوصية

المحامي: ايوب حميد/متخصص بالقضايا التجارية.

يُثير تسجيل المكالمات الهاتفية في العراق جدلاً قانونياً مستمراً بسبب غياب نصوص قانونية صريحة تنظم هذا الفعل، مما يفتح الباب لتفسيرات تستند إلى أحكام الدستور العراقي وقواعد قانون اصول المحاكمات الجزائية، إضافة إلى توجهات القضاء. فهل يُعد تسجيل المكالمات عملاً مشروعاً؟ وهل يمكن استخدامه كدليل قانوني أمام المحاكم؟

الدستور العراقي في المادة ١٧ أكد على حماية الخصوصية، وفي المادة ٤٠ كفل حرية الاتصالات والمراسلات، ومنع التنصت أو مراقبة الاتصالات أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وأمنية وبقرار قضائي. غير أن هذا المنع ينطبق على التنصت من طرف خارجي، ولا يشمل قيام أحد أطراف المكالمة بتسجيلها، إذ يُعتبر هذا الفعل توثيقاً مشروعاً، مثل الاحتفاظ برسالة مكتوبة.

أما قانون الإثبات العراقي رقم ١٠٧ لسنة ١٩٧٩، فرغم عدم وجود نص صريح حول تسجيل المكالمات، فإنه لا يقيد وسائل الإثبات ويعتمد على مبدأ حرية القاضي في تكوين قناعته، بما يشمل القرائن القضائية. وقد فُسر ذلك فقهياً وقضائياً بأنه يسمح للمحكمة بقبول التسجيل الصوتي كقرينة إذا ثبتت صحته ولم يُخالف النظام العام أو يُنجز بوسيلة غير مشروعة.

التمييز القانوني الجوهري هو بين تسجيل المكالمة من طرف فيها، وهو مقبول قانوناً، وبين التنصت أو التسجيل من طرف ثالث دون إذن قضائي، وهو محظور دستورياً وقد يُشكل جريمة.

ورغم الجدل الأخلاقي حول التسجيل دون علم الطرف الآخر، فإن التقييم القانوني يبقى منفصلاً عن الجانب الأخلاقي ما دام الفعل لم يُخالف نصاً قانونياً صريحاً.

وفي ضوء الممارسة القضائية، فإن بعض المحاكم العراقية تأخذ بهذه التسجيلات كقرائن في قضايا مثل التهديد أو السب أو الإقرار، شرط أن تُعرض ضمن أدلة أخرى، وتُخضع لتقدير القاضي حسب ظروف كل قضية.

الخلاصة أن تسجيل المكالمة من طرف فيها لا يُعد محظوراً قانوناً، وقد يُقبل كوسيلة إثبات، بينما يُعد التنصت من طرف خارجي دون إذن قضائي مخالفة دستورية وقد يُشكل جريمة. ويبقى الخيار القانوني الأكثر أماناً هو اللجوء إلى إذن قضائي مسبق لحماية مشروعية التسجيل وضمان إمكانية استخدامه أمام القضاء.