دعوى فرق البدلين: عندما يتحول عقد البيع الخارجي إلى نزاع قضائي
المحامية نور جواد الدليمي
في سوق العقارات العراقي، لا تبدأ أغلب الخلافات أمام دائرة التسجيل العقاري، بل قبلها بكثير. تبدأ عادةً على طاولة بسيطة، أو في مكتب دلال، أو بورقة مكتوبة بخط اليد يُطلق عليها الناس اسم “مكاتبة خارجية”. هنا، حيث يظن الطرفان أن الاتفاق قد اكتمل، تبدأ في الواقع أكثر الإشكالات القانونية تعقيداً، ومن بينها ما يُعرف بدعوى فرق البدلين، وهي من الدعاوى التي تتكرر كثيراً في المحاكم وتُثار حولها تساؤلات واسعة لدى المشترين والبائعين على حد سواء.
هذه الدعوى لا ترتبط فقط بفكرة البيع، بل ترتبط بفكرة النكول عن الالتزام، وبالفارق بين ما كان متفقاً عليه وما آل إليه الواقع لاحقاً، وهو فارق لا يكون دائماً بسيطاً، لا من حيث القيمة ولا من حيث الأثر القانوني.
البيع الخارجي… الاتفاق الذي يبدو مكتملاً لكنه ليس كذلك
كثير من عمليات بيع العقارات في العراق تبدأ وتنتهي عند ما يُسمى بالبيع الخارجي، حيث يوقّع البائع والمشتري تعهداً بنقل الملكية مقابل بدل متفق عليه، دون إكمال إجراءات التسجيل الرسمي. في هذه المرحلة، يشعر الطرفان عادةً بأن الصفقة قد تمت، وأن المسألة أصبحت مجرد وقت.
لكن الواقع العملي يقول شيئاً آخر. فطالما لم يُستكمل التسجيل الرسمي أمام دائرة التسجيل العقاري، فإن العلاقة القانونية تبقى معلّقة، وقابلة للاهتزاز عند أول خلاف، سواء بسبب تغيّر الأسعار، أو ظهور مانع قانوني، أو تراجع أحد الطرفين عن رغبته في إكمال البيع.
هنا بالضبط تبدأ فكرة دعوى فرق البدلين بالظهور إلى السطح.
عندما ينكل أحد الطرفين… كيف يتغير مركز الآخر؟
في الكثير من الحالات، يكون أحد طرفي عقد البيع الخارجي مستعداً لإكمال الإجراءات، بينما يتراجع الطرف الآخر فجأة. أحياناً يكون البائع هو من يرفض إكمال التسجيل بسبب ارتفاع قيمة العقار، وأحياناً يكون المشتري هو من يتراجع لأسباب مالية أو شخصية.
هذا النكول لا يمرّ دون أثر. فالقانون لا يتعامل مع التعهد الخارجي على أنه بيع مكتمل، لكنه لا يتجاهله أيضاً. بل ينظر إليه بوصفه التزاماً، والإخلال بالالتزام يفتح باب التعويض، لا باب التمليك.
ومن هنا، تظهر دعوى فرق البدلين بوصفها الأداة التي يلجأ إليها الطرف المتضرر، عندما يصبح إكمال البيع غير ممكن، أو غير قابل للتحقق قانوناً.
دعوى فرق البدلين… تعويض لا تمليك
من الأخطاء الشائعة الاعتقاد بأن كل نزاع حول بيع خارجي يجب أن ينتهي بتمليك العقار. الواقع أن الأمر ليس كذلك دائماً. فهناك حالات لا تتوافر فيها شروط دعوى التمليك، سواء بسبب وجود مانع قانوني، أو نقص الشروط، أو عدم اكتمال بعض الإجراءات الجوهرية.
في هذه الحالات، لا يبقى أمام الطرف المتضرر سوى المطالبة بالتعويض. ودعوى فرق البدلين تقوم أساساً على فكرة أن الضرر لا يُقاس فقط بما دُفع، بل بالفارق بين قيمة العقار وقت الاتفاق وقيمته وقت النكول، وهو فارق قد يكون كبيراً في سوق يتغير بسرعة كما هو الحال في العراق.
الإنذار … خطوة تبدو شكلية لكنها محورية
قبل الوصول إلى المحكمة، تبرز خطوة يستهين بها البعض، لكنها في الواقع تُعدّ من أكثر الخطوات حساسية في هذا النوع من الدعاوى، وهي توجيه الإنذار عن طريق كاتب العدل. هذا الإنذار لا يكون مجرد إجراء روتيني، بل يُعدّ فاصلاً بين دعوى مقبولة ودعوى تُرفض شكلاً.
الإنذار هنا يحمل رسالة واضحة: أن الطرف الراغب في إكمال العقد قد منح الطرف الآخر فرصة أخيرة للوفاء بالتزامه، وأن النكول لم يكن وليد سوء تفاهم، بل قراراً صريحاً أو ضمنياً.
كيف يُنظر إلى التعويض في دعوى فرق البدلين؟
التعويض في هذا النوع من الدعاوى لا يُترك غالباً للتقدير العشوائي، لكنه في الوقت نفسه ليس رقماً ثابتاً أو معادلة حسابية بسيطة. الأساس الذي يدور حوله النقاش القضائي يكون عادةً الفرق بين القيمة المتفق عليها في التعهد الخارجي، والقيمة التي أصبح عليها العقار عند لحظة النكول.
غير أن هذا الفارق لا يكون دائماً هو نهاية المطاف. ففي بعض الحالات، يثار الحديث عن أضرار أخرى، وهو ما يجعل كل دعوى مختلفة عن الأخرى، ويجعل الاعتماد على السوابق أو القصص المتداولة أمراً محفوفاً بالمخاطر.
دعوى شائعة… لكنها ليست بسيطة
رغم شيوع دعوى فرق البدلين في المحاكم، إلا أنها ليست دعوى بسيطة كما يتصور البعض. فهي تمسّ مسائل تقدير، وتوقيت، ونية، وإثبات، وكل عنصر من هذه العناصر قد يكون محل جدل طويل.
كما أن الكثير من هذه الدعاوى تتأثر بتفاصيل تبدو صغيرة في ظاهرها، لكنها جوهرية في نظر المحكمة، مثل صيغة التعهد، وتاريخ النكول، وطبيعة الإنذار، والفرق بين القيمة التقديرية والقيمة السوقية.
لهذا السبب تحديداً، نجد أن النتائج تختلف من قضية إلى أخرى، حتى وإن تشابهت الوقائع ظاهرياً.
بين البائع والمشتري… من الأكثر لجوءاً إلى دعوى فرق البدلين؟
في الواقع العملي، لا يمكن القول إن هذه الدعوى حكر على المشتري أو البائع. فكلاهما قد يجد نفسه في موقع المتضرر، بحسب من نكل عن الالتزام. لكن اللافت أن كثيراً من النزاعات تنشأ بعد تغيّر الأسعار، وهو ما يعكس طبيعة السوق أكثر مما يعكس نية مسبقة للإخلال.
هذا التعقيد الاجتماعي والاقتصادي يجعل دعوى فرق البدلين واحدة من الدعاوى التي تتطلب قراءة هادئة، لا اندفاعاً عاطفياً، لأن الانفعال غالباً ما يقود إلى قرارات قانونية غير محسوبة.
خاتمة | عندما تبحث عن محامٍ يفهم دعوى فرق البدلين قبل أن يرفعها
إذا كنت تبحث عن أفضل محامي في بغداد، أو عن محامي مختص بالدعاوى العقارية، أو عن محامٍ يفهم دعوى فرق البدلين في العراق، فنحن لا ندّعي أننا الخيار الأفضل، ولا نضع لأنفسنا هذا الوصف.
لكننا نرحّب بجميع الاستشارات وطلبات التوكل، ونفتح ملفاتكم بهدوء، ونناقش الوقائع كما هي، لتتمكنوا من تقييم ذلك بأنفسكم، بعيداً عن الوعود الجاهزة، وبقربٍ حقيقي من الواقع القانوني.
