الحضانة المشتركة في العراق: بين واقع القانون وتحديات التطبيق
المحامية الهام الركابي
في خضم التغيرات الاجتماعية والثقافية والقانونية التي يشهدها العالم، باتت الحضانة المشتركة تُطرح كبديل حضاري عن النموذج التقليدي للحضانة المنفردة، لا سيما بعد الانفصال أو الطلاق. الحضانة المشتركة تُمثل تصوراً تشاركياً لمسؤولية الأبوين تجاه أبنائهما، تقوم على تقاسم الأعباء والقرارات بما يضمن بقاء الطفل في بيئة متوازنة. غير أن هذا النموذج، ورغم فاعليته في العديد من الأنظمة القانونية، ما زال بعيداً عن التطبيق في العراق، بسبب جملة من التحديات التشريعية والثقافية، بالإضافة إلى التعقيدات المستجدة بعد الموافقة على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية نحو المذهب الجعفري والعمل به ، فهل يمكن اعتماد هذا النظام في العراق؟ وهل نحن بحاجة لتعديل جوهري في القانون يراعي مصلحة الطفل أم لترجيح كفة أحد الأبوين على الآخر؟
أولاً: ماهية الحضانة المشتركة
الحضانة المشتركة هي نظام قانوني واجتماعي يُمكّن كلا الوالدين – رغم الانفصال – من الاستمرار في رعاية الطفل، واتخاذ القرارات المتعلقة بتعليمه، صحته، تنشئته، ومكان إقامته. وتنقسم إلى:
• حضانة قانونية مشتركة: يتقاسم فيها الأب والأم سلطة اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالطفل.
• حضانة فعلية أو مادية: يتقاسمان فيها الوقت الفعلي لإقامة الطفل بين منزلَي الأبوين.
هذا النظام معمول به في عدد من الدول الغربية وبعض الدول العربية التي طورت تشريعاتها الأسرية، ويُبنى على مبدأ “مصلحة الطفل الفضلى”.
ثانياً: مزايا وعيوب الحضانة المشتركة في السياق العراقي
المزايا:
1. ضمان التواصل العاطفي مع كلا الأبوين، مما يُعزز التوازن النفسي للطفل.
2. الحد من النزاعات القضائية بشأن الحضانة عند توفر اتفاق مسبق.
3. تقوية مبدأ المسؤولية المشتركة وعدم اقتصارها على أحد الأبوين.
4. تقليص احتمالية استخدام الطفل كوسيلة ضغط أو ابتزاز بعد الانفصال.
العيوب والتحديات:
1. انخفاض الوعي المجتمعي بثقافة التشارك بعد الطلاق، إذ لا تزال الحضانة تُفهم كحق شخصي وليس مسؤولية مشتركة.
2. انعدام الثقة بين الأبوين بعد الانفصال، ما يُضعف إمكانية التعاون.
3. الهيمنة الذكورية والاعتبارات العشائرية التي ترفض أحيانًا تدخل الأم في قرارات مصيرية تخص الأبناء.
4. الفراغ القانوني في تنظيم الحضانة المشتركة ضمن قانون الأحوال الشخصية النافذ ، الذي لا يتضمن أي نص يُجيزها صراحة.
ثالثاً: قانون الأحوال الشخصية والمذهب الجعفري – أي مستقبل للحضانة؟
يُعد قانون الأحوال الشخصية العراقي من القوانين المدنية التي حاولت – إلى حدٍ ما – الفصل بين الانتماء المذهبي والأحكام القانونية، مع إعطاء القاضي مساحة لاجتهادات مقيدة بفقه الأكثرية. غير أن الموافقة على تطبيق مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري ، أعاد النقاش حول مستقبل قضايا الأسرة في العراق، ومنها الحضانة، إذ يُراعي الفقه الجعفري اعتبارات مغايرة عن القانون الحالي، من حيث سن الحضانة، أحقية الأب أو الأم.
ورغم أن العمل بالتعديل جديد نسبيا إلا أنه يعكس حالة انقسام قانوني ومذهبي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسرة العراقية. وفي هذا السياق، تبرز إشكالية جوهرية: هل نحتاج إلى قانون موحد يُعلي مصلحة المحضون فوق أي اعتبار؟ أم أن الانتماء المذهبي سيستمر في تشكيل هوية القوانين الأسرية، بما يُرجّح مصلحة أحد الأبوين على الآخر؟
رابعاً: هل نحتاج لتعديل حقيقي في قانون الاحوال الشخصية ؟
الجواب: نعم، بشكل جوهري وتقدّمي.
القصور في التعديل الجديد والقانون القديم :
• يركّز قانون الأحوال الشخصية على “حق الحضانة” أكثر من “مصلحة الطفل”.
• في القانون القديم يُمنح حق الحضانة للأم حتى سن معينة ثم يُخيّر الطفل بالانتقال إلى الأب أو تمديد الحضانة، دون تقييم حقيقي لمصلحة الطفل الفضلى أو أهلية الأبوين بعد الطلاق وفيما بعد التعديل اصبح سقوط الحضانة عن الام تلقائيا بعد سن السابعة
المطلوب :
1. إدراج الحضانة المشتركة كنظام قانوني مرن يُطبّق بإرادة الطرفين وتحت رقابة قضائية ومجتمعية.
2. وضع مبدأ “مصلحة المحضون” كأولوية تشريعية مطلقة تفوق الحقوق الفردية للأبوين.
3. تشكيل لجان دعم وتقييم نفسي واجتماعي في المحاكم لمتابعة قضايا الحضانة.
4. تقنين آليات التنفيذ بما يضمن جدولة دقيقة للزيارة، وتقاسم الوقت، ومنع أي ابتزاز عاطفي أو مادي للطفل.
5. تحييد العامل المذهبي والطائفي في قضايا الحضانة، والاحتكام فقط لمصلحة الطفل والتوازن النفسي له.
خاتماً
إن مستقبل الحضانة في العراق ليس فقط مسألة قانونية، بل هو انعكاس لتحول ثقافي واجتماعي عميق. فالحضانة المشتركة ليست مجرّد بند قانوني، بل هي نظام يعيد تعريف الأبوة والأمومة كشراكة مستمرة حتى بعد الانفصال، ويؤسس لعلاقة تربوية صحية بعيدة عن الأذى العاطفي للأطفال.
وبين تأيد تعديل قانون الأحوال الشخصية وطرح قوانين مذهبية خاصة ،ورفض هذه التعديلات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يجب ان ينتصر المشرّع لمصلحة المحضون باعتبارها حقًا مقدسًا؟ أم أن معادلة النفوذ المذهبي والسلطة الأبوية ستبقى هي الغالبة؟
الجواب على هذا السؤال سيحدد مستقبل أجيال كاملة، ويكشف مدى استعدادنا لبناء مجتمع عادل، يضع الطفل في قلب التشريع، لا على هامشه