دين ب 20 الف وكلفة استرداده تتجاوز 200 ضعف
المحامي/ايوب حميد
دين ب 20 الف وكلفة استرداده تتجاوز 200 ضعف
قبل ايام اتصل بي احدهم وهو يحمل في صوته مزيجا نادرا من الاصرار والضيق يشكو دينا مستحقا له عند احد معارفه (عشرون الف دينار عراقي فقط) رقم لا تستطيع ان تشتري به وجبة غداء محترمة لكنه كان بالنسبة لصاحب الشكوى مسألة مبدأ لا مساومة عليها قال بثقة: عدي شهود وعدي محادثات واتساب واريد ارفع دعوى واخذ حقي.
ولا احد يجادل في ان الحق حق مهما صغرت قيمته لكن المفارقة تبدأ عندما ندخل المنطقة الرمادية بين قيمة الدين وتكلفة المطالبة به، فالرجل يريد اللجوء الى محكمة البداءة وهذا يعني باختصار الدخول في سلسلة اجراءات تبدأ برسوم المحكمة ولا تنتهي عند اتعاب المحاماة التي غالبا ما تتجاوز قيمة المطالبة باضعاف مضاعفة.
ولنكن صرحاء الدخول الى القضاء ليس نزهة تبدأ الرحلة اولا بتقديم عريضة الدعوى ودفع الرسوم ثم الانتظار، انتظار طويل قد يمتد من تبليغ الخصم الى تأجيل الجلسات ومرورا بسلسلة المرافعات التي قد لا تتجاوز بضع دقائق لكنها تكلف ساعات من الانتظار في ممرات المحكمة.
ثم نصل الى لحظة صدور القرار وهي اللحظة التي يعلق عليها المدعي اماله لكنه يكتشف بعدها انه لم يصل الى خط النهاية بعد فالقرار لم يكتسب الدرجة القطعية وهذا بدوره يعني مزيدا من الزمن والمراجعات.
كل ذلك من اجل عشرين الف دينار.
المتصل كان واثقا من حقه وهذا جميل لكن الطرافة تكمن في ان مجموع ما سينفقه من وقت ومال واعصاب كفيل بان يمكنه من شراء دين جديد بدلا من استرداد الدين القديم وهنا تتجلى المفارقة التي نعيشها يوميا، حق صغير واجراءات كبيرة، حق بسيط لكنه يختبر قدرة الانسان على الصبر اكثر مما يختبر قدرة القانون على الانصاف.
ورغم كل ذلك لا يمكن للقانون ان يسأل المدعي هل يستحق المبلغ هذه الرحلة، فالقضاء مفتوح للجميع والمطالبة ممكنة مهما كانت القيمة، لكن يبقى السؤال الاعمق هل الهدف هو استرداد المبلغ ام اثبات الموقف؟
في النهاية قد لا تكون قصة العشرين الف دينار ذات اثر اقتصادي لكنها تحمل نكهة تعكس مفارقة اجتماعية واضحة نحن نؤمن بالحق لدرجة اننا مستعدون ان نخوض معركة قانونية كاملة حتى لو كانت نتيجتها اغلى من الشيء الذي نقاتل من اجله.