تأديب الزوجة: حق مشروع أم عنف مقنّن؟
المحامية: الهام الركابي/محاكم استئناف الرصافة
“تأديب الزوج لزوجته” – وهو فعل لا يزال يجد له موطئ قدم ضمن الأطر القانونية، تحديداً في نص المادة 41 من قانون العقوبات، رغم ما يثيره من إشكاليات في ضوء تطور المنظومة القيمية والحقوقية في المجتمع.
تقرر المادة 41 من قانون العقوبات أن:
«لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون»، وتضرب مثالاً على ذلك بـتأديب الزوج لزوجته في حدود ما يقرره العرف.
وهنا، يبرز إشكال قانوني وأخلاقي كبير يتمثل في: هل يمكن فعلاً اعتبار الضرب أو الإيذاء الجسدي سلوكاً مشروعاً، لمجرد أنه يستند إلى “عرف”؟ وهل العرف – الذي هو بطبيعته متغير وزمني – يمكن أن يعلو على مبدأ دستوري ثابت مثل صون الكرامة الإنسانية؟
إن هذا النص يطرح تساؤلات حادة حول كيفية التوفيق بين مفاهيم تقليدية كانت مقبولة في سياقات اجتماعية سابقة، وبين متطلبات العصر الحديث الذي باتت فيه حقوق الإنسان وكرامة الفرد في صلب النظام القانوني والدستوري.
فـحق التأديب المذكور في المادة 41 يفترض أن يكون مضبوطاً بحدود دقيقة تمنع الانزلاق نحو العنف، لكن واقع الحال يكشف أن تلك الحدود إما غامضة أو فضفاضة، ما يترك مساحة واسعة للتأويلات الفردية والاجتهادات القضائية غير المتجانسة.
ولدينا مثال جميل لاحد القرارات القضائية الصادرة من محكمة استئناف كربلاء بصفتها التمييزية بتاريخ 13/5/2012 والذي تضمن ان الزوج قام بضرب زوجته في الشارع واسقاطها ارضاً وهو ما لا يستقيم مع غاية التأديب وهي الاصلاح، اذ ان هذا الفعل يتضمن اذلال وتحقير وارغام. ونحن وان نشيد بهذا التفسير الممتاز للنص القانوني الا اننا نسجل اعتراضنا على النص ذاته، ونقول بان الضرب داخل الدار او خارجه يؤدي الى نتيجة واحدة، اذ ان الفضاء المكاني لا يمنح الفعل مشروعية، وذلك لان الأذى الجسدي والمعنوي لا يختلف في أثره باختلاف المكان، فالعنف يبقى عنفاً، سواء حدث خلف الجدران أو في العلن.
إن ممارسة أي “حق” دون وجود ضوابط قانونية حازمة ومساءلة فعلية، تنزع عنه صفة المشروعية وتحيله إلى أداة قمع. وهنا، يتحول ما يُفترض أنه استثناء مؤطر بغاية أخلاقية (الإصلاح)، إلى سلوك تمييزي يُكرّس التبعية ويُجهز على مبدأ المساواة بين الزوجين. فالقانون لا يمكن أن ينفصل عن السياق المجتمعي الذي ينشأ فيه.
وما كان يُعتبر من قبيل العرف في وقت سابق، لم يعد بالضرورة مقبولاً في الحاضر، خاصة إذا تعارض مع مبادئ عليا كالمساواة وحقوق الإنسان وعدم التمييز على أساس الجنس. فالإبقاء على نصوص مثل المادة 41، دون مراجعة نقدية حقيقية، يُبقي على ثقافة قانونية تبرّر العنف باسم “التقاليد” وتعيق التقدّم نحو العدالة.
إن حماية الكرامة الإنسانية يجب أن تكون حجر الزاوية لأي تفسير قانوني. وفي هذا الإطار، فإن استمرار العمل بالمادة 41 بصيغتها الحالية يمثل فجوة قانونية وأخلاقية تتطلب إعادة نظر جذرية، تتلاءم مع الدولة القانونية التي تكرّس العدالة لا السلطة، والمساواة لا التراتبية.