هل يعتد بالجهل بالقانون الجزائي؟

المحامية: نور جواد جاسم/محاكم استئناف الكرخ.

هل يمكن ان يرتكب الانسان جريمة وعند مثوله امام القاضي لمحاكمته يحتج بانه لا يعلم بوجود قانون يجرم فعله؟ ومثال ذلك قيام شخص بعقد زواج دون مراجعة المحكمة لتنظيم ذلك وعند محاكمته عن هذه الجريمة يدافع عن نفسه بانه لا يعلم بتجريم هذا الفعل.

علماً ان هذه الحالة كثيراً ما تحصل في مجتمعنا اذ يقوم الزوجان بعقد الزواج امام رجل الدين وليس امام قاضي الاحوال الشخصية كما ينص القانون. ففي هذه الحالة يعد هذا الفعل جريمة وفقاً لقانون الاحوال الشخصية العراقي، الذي نص على “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد على سنة او بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على الف دينار [عدلت الغرامة لتصبح بما لا يقل عن مئتي الف وواحد دينار ولا يزيد عن مليون دينار] كل رجل عقد زواج خارج المحكمة”.

والجواب على السؤال اعلاه هو: لا يحق له الاعتذار بجهله بالقانون، اذ ان هنالك قانون تم نشره في جريدة الوقائع العراقية وهي الجريدة الرسمية للدولة واصبح نافذ المفعول، وبالتالي فلا يعتد بجهل الناس به او عدم اطلاعهم عليه.

الا ان هنالك استثنائين من هذه القاعدة حيث يمكن الاعتذار بالجهل بالقانون في حال توافرهما وهما كل من:

1 – وجود قوة قاهرة: يمكن تعريف القوة القاهرة بانها كل حادث خارجي، لا يمكن توقعه، ولا يمكن دفعه مطلقاً كالزلازل والبراكين والفيضانات والامطار والعواصف. ففي حال نشر قانون يجرم التدخين بشكل مطلق واصبح هذا القانون نافذاً الا ان زلزالاً قوياً ضرب احدى المناطق وهدم جزءاً كبيراً منها، فتأسيساً على ذلك لا يمكن مسائلة المدخن عن فعله اذ ان هنالك قوة قاهرة حالت بينه وبين العلم بنشر القانون في الجريدة الرسمية، اما اذا انتهت القوة القاهرة وقام بالتدخين فعندها تصح مسائلته، وكل ذلك وفقاً لقانون العقوبات الذي ورد فيه: “ليس لاحد ان يحتج بجهله باحكام هذا القانون او اي قانون عقابي اخر ما لم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقب على الجريمة بسبب قوة قاهرة”.

2 – العفو عن معاقبة الاجنبي: السفر من دولة الى اخرى قد يعرض الناس الى مشاكل عديدة ومن بينها ان بعض الافعال في بلدانهم لا تعد جريمة اما في البلد الذي جاؤوا اليه فيعد بمثابة جريمة، وعلى سبيل المثال ان تناول القات في اليمن لا يعد جريمة، اما في جمهورية العراق فيعد مجرد حيازته جريمة، وكذلك الامر مع الحشيشة (الماريغوانا) اذ ان كندا وبعض الولايات الامريكية تبيح استخدامه للاغراض العلاجية او للترفيه وضمن شروط محددة الا ان حيازتها او استخدامها في جمهورية العراق جريمة خطيرة. فما هو موقف قانون العقوبات من الاجنبي الذي يصل الى العراق وهو يحمل القات او الماريغوانا؟

وكذلك الامر مع لعب القمار ففي حين يعتبر فتح الكازينوهات ولعب القمار امر جائز قانوناً في ولاية لوس انجلوس الامريكية، نجد انه يعد بمثابة جريمة في جمهورية العراق.

فما هو موقف المشرع العراقي في حال قيام اجنبي بارتكاب جريمة داخل العراق مع العلم بان قانون الدولة التي ينتمي اليها لا يجرم ولا يعاقب على الفعل الذي قام به؟

ان موقف القانون من السؤال اعلاه هو تجريم هذه الافعال الا انه وعلى سبيل الاستثناء اجاز للمحكمة ان تعفو عن الاجنبي مع مراعاة الشروط الثلاثة الآتية:

أ – ان يرتكب الاجنبي الجريمة خلال سبعة ايام من تاريخ قدومه الى جمهورية العراق.

ب – ان يثبت جهله بالقانون العراقي.

ج – ان يكون قانون محل اقامته لا يعاقب على الفعل الذي ارتكبه.

وعند تحقق هذه الشروط الثلاثة معاً يجوز للمحكمة حينئذ ان تعفو عن الاجنبي، ومصطلح الاجنبي لا يعني ان يكون من دولة غير عربية بل يتساوى العربي مع غير العربي فالمهم هو كونه غير عراقي.

وبالتالي فان الجهل بالقانون او الغلط في فهم نصوصه لا يعدم الركن المعنوي باعتبار ان العلم بالقانون وفهمه على وجهه الصحيح امر مفترض في الناس كافة، وان كان هذا الافتراض يخالف الواقع في بعض الاحيان.

كما ان عبارة الجهل بالقانون تشمل العلم به والخطأ في فهمه وتفسيره، فحين يقوم شخص بارتكاب جريمة لاعتقاده ان القانون يقصد فعلاً اخر وليس الفعل الذي قام به فان ذلك لا يعني جواز الاعتذار بالخطأ في فهم القانون او الخطأ في تفسير معناه، اذ ان المعنى المراد من النص القانوني هو ما اراده المشرع وليس ما فهمه الفرد.