حين يتقاطع الاستثمار مع القضاء… قرارٌ تمييزيٌّ يضع النقاط على الحروف في ملف “بحيرة الحبانية” ويقلب التوقعات!
المحامية نور جواد الدليمي
في مشهد قانوني يعكس حجم التعقيد الذي تشهده مشاريع التطوير العقاري في العراق، برز قرارٌ صادر عن محكمة التمييز الاتحادية ليحسم واحدة من أكثر الدعاوى حساسية، تلك التي تتعلق بـ بحيرة الحبانية، وبما قيل إنه “تجاوز” على أراضٍ تابعة لهيأة السدود والخزانات. القضية ليست مجرد نزاع عقاري؛ إنها قصة تتقاطع فيها الإجازة الاستثمارية، المسؤولية الإدارية، وإثبات الموافقات الرسمية، وكل ذلك وسط إرث من الفوضى التي خلفتها الحرب وأحداث عصابات داعش الإرهابية.
بدأت فصول القضية عندما أقامت الهيأة العامة للسدود والخزانات دعوى ضد كلٍّ من شركة تطوير عقاري وهيأة استثمار الأنبار، مدّعية أن الشركة باشرت بتنفيذ أعمال دفن وتسوية وإنشاء هياكل سكنية على مساحة 212 دونم من أراضي بحيرة الحبانية دون استحصال موافقة رسمية من الجهة المالكة—وهي المدعي نفسه. ولم تقف الدعوى عند حد إزالة التجاوز، بل طالبت المحكمة بتقدير قيمة الضرر، الذي قدرته الهيأة بمبلغ وصل إلى سبعة مليارات ومائتين وخمسين مليون دينار عراقي.
محكمة البداءة نظرت إلى الوقائع بعين مختلفة؛ فرأت أنّ ما حصل يُعد تجاوزاً فعلياً، وقضت بإلزام الشركة وهيأة الاستثمار برفع التجاوز وإزالة الأعمال المقامة في الموقع، مؤكدة أن أي انشاء على أرض تابعة للدولة دون موافقة الجهة المالكة يُعد مخالفة صريحة تستوجب المعالجة.
لكن القضية لم تتوقف عند هذا الحد. فبمجرد الطعن بالحكم أمام محكمة الاستئناف بصفتها الأصلية، تغيّر مسار النزاع بالكامل. محكمة الاستئناف لم تجد أن هناك تجاوزاً، فقضت بفسخ الحكم البدائي ورد دعوى المدعي كلياً، لتفاجئ الكثيرين ممن رأوا أن الأعمال الإنشائية قائمة بالفعل على الأرض محل النزاع.
وهنا انتقل الملف إلى أعلى جهة قضائية: محكمة التمييز الاتحادية.
كان المتوقع—في ذهن البعض—أن يذهب القرار باتجاه إعادة التحقيق أو إعطاء مساحة لبحث الموافقات التي يدّعي بعض الأطراف أنها مفقودة بسبب احتراق الأوليات خلال أحداث داعش. لكن محكمة التمييز حسمت الأمر بنقاط قانونية دقيقة وحاسمة.
فقد أكدت المحكمة أن الإجازة الاستثمارية لإنشاء المجمع السكني صادرة وفق القانون والأصول، وبموافقة الجهات ذات العلاقة، وأن فقدان بعض الأوليات أو احتراقها بسبب الأحداث الإرهابية لا يلغي حقيقة صدور الموافقات ولا يمكن تحميل المستثمر مسؤولية ضياعها. وبذلك، فإن أساس الادعاء بالتجاوز أصبح غير قائم، طالما أن الإجازة الاستثمارية نفسها صحيحة وموافَق عليها من الجهات المختصة.
وبناءً على ذلك، قررت محكمة التمييز تصديق حكم محكمة الاستئناف الذي فسخ حكم محكمة البداءة ورد دعوى الهيأة العامة للسدود والخزانات، لتضع بذلك نهاية قانونية واضحة:
لا تجاوز ما دام أن العمل قائم بموجب إجازة استثمارية صحيحة، والموافقات الرسمية لا تبطل باحتراق الأوليات ما دام أصل الإجراءات ثابتاً.
هنا قد يبدأ القارئ بالتساؤل:
هل سيعيد هذا القرار رسم الحدود بين صلاحيات الجهات المالكة للأراضي وصلاحيات الجهات المانحة للإجازات الاستثمارية؟
هل تتحول المشاريع الاستثمارية إلى مظلة تحمي الشركات من أي ادعاءات لاحقة طالما أن الإجازة صدرت بصورة قانونية؟
وكيف تؤثر هذه السابقة على مشاريع مشابهة في المحافظات الأخرى؟
أسئلة كثيرة يفتح أمامها هذا القرار باباً واسعاً للبحث والتأمل، خصوصاً لمن يعمل في مجال الاستثمار العقاري ويواجه تعقيدات العلاقة بين الجهات الحكومية.
لكن ما هو مؤكد الآن هو أن هذا القرار أرسل رسالة واضحة:
المستثمر الذي يعمل ضمن الأطر القانونية، ويحصل على إجازة استثمارية أصولية، لا يتحمل مسؤولية أخطاء إدارية أو فقدان وثائق سببه ظروف قاهرة خارجة عن إرادته.
وبقدر ما يبعث هذا القرار الطمأنينة في نفوس المستثمرين، فإنه يدفع الجهات الإدارية إلى مراجعة إجراءاتها بجدية لضمان عدم ضياع الأوليات أو ترك فراغات وثائقية قد تشعل نزاعات مستقبلية.
وفي ظل هذا المشهد القانوني المتشابك، يبقى دور المحامي المتخصص في الاستثمار هو حجر الأساس في حماية حقوق الشركات، سواء عند التعاقد أو عند المنازعة أو عند تنفيذ المشاريع الكبرى.
وفي الختام…
إذا كنت تمتلك شركة تطوير عقاري، أو تحمل إجازة استثمارية لمجمع سكني، أو تعمل مقاولاً أو صاحب شركة عقارية، وتحتاج إلى أفضل محامٍ عراقي متخصص في الاستثمار، عقود الاستثمار، والإجازات الاستثمارية—فنحن هنا إلى جانبك.
نقدّم الاستشارات، نُدافع عن حقوقك، ونتولى عنك كل ما يتعلق بمشاريعك الاستثمارية، بأعلى درجات الاحترافية القانونية.
