المطاوعة في قانون الأحوال الشخصية العراقي: ما بين النص والاجتهاد
المحامية: نور جواد الديمي/محاكم استئناف الكرخ
في ضوء التغيرات الاجتماعية المتسارعة، والوعي المتزايد بحقوق الزوجين، يبرز مصطلح “المطاوعة” في قانون الأحوال الشخصية العراقي كواحد من أكثر المفاهيم إثارة للنقاش القانوني، خاصةً عند نشوء النزاع بين الزوجين حول النفقة، أو منزل الزوجية، أو الطاعة الزوجية.
لكن، ما هو المقصود بالمطاوعة؟ وهل هي طاعة مطلقة؟ وهل يترتب على رفض الزوجة لها سقوط نفقتها دائماً؟
للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من التوقف مطولاً عند المواد 25، 26، و33 من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، وهي النصوص التي تشكل الركيزة القانونية لفهم هذا المفهوم.
هل يحق للزوج إلزام زوجته بالمطاوعة دائماً؟
في إطار القانون العراقي، ليست المطاوعة امتيازاً مطلقاً يُمنح للزوج، بل هي مشروطة بعدم التعسف في استعمال هذا الحق، وبوجود بيت شرعي تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها قانوناً. فقد نصت المادة 25/ثانياً على أن الزوجة لا تعتبر ناشزاً إذا كان الزوج متعسفاً، موضحةً حالات التعسف على سبيل المثال لا الحصر، مثل:
- عدم تهيئة بيت شرعي يتناسب مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
- بعد المسكن عن مكان عمل الزوجة، بما يمنعها من التوفيق بين التزاماتها.
- إذا لم تكن الأثاث مملوكة للزوج.
- إصابة الزوجة بمرض يمنعها من المطاوعة.
في ضوء هذه النصوص، يتضح أن القانون العراقي للأحوال الشخصية منح المرأة مساحة واسعة للدفاع عن كرامتها وحقوقها، ورفض المطاوعة المشوبة بالإضرار.
الطاعة والمطاوعة: هل هما مرادفان؟
بينما تميل كثير من الاستشارات القانونية للخلط بين المفهومين، نجد أن المادة 33 من القانون العراقي جاءت صريحة:
“لا طاعة للزوج على زوجته في كل أمر مخالف لأحكام الشريعة”.
بعبارة أخرى، الطاعة ليست مطلقة، بل هي مشروطة بمطابقة أوامر الزوج لأحكام الشريعة، مما يجعل المطاوعة لا ترتبط فقط بالنفقة، بل بمدى معقولية الطلب القانوني، ومدى كونه خالياً من الضرر.
متى تسقط نفقة الزوجة قانوناً؟
نصت المادة 25/أولاً على حالات سقوط النفقة، مثل:
- ترك بيت الزوجية بغير وجه شرعي.
- الحبس بسبب جريمة أو دين.
- الامتناع عن السفر بدون عذر شرعي.
لكن الاستثناء الوارد في الفقرة الثانية من المادة ذاتها، يغير الصورة جذرياً، حيث يمنح المرأة قوة قانونية للطعن بتعسف الزوج، وهو ما يجعل قضايا النفقة والمطاوعة في العراق تدور حول ميزان دقيق بين الحق والتعسف.
السكن المشترك: هل يجبر القانون الزوجة على العيش مع أهل الزوج أو ضرتها؟
المادة 26 أجابت عن هذا السؤال، وبيّنت أن رضا الزوجة شرطٌ للسكن مع ضرتها، كما قيّدت سكن أهل الزوج بشرط عدم إلحاق ضرر بالزوجة، ما يؤكد أن الحق في المسكن الآمن أحد معايير المطاوعة القانونية.
بين النص والواقع: أهمية الاستشارة القانونية

تظهر أهمية المشورة القانونية الدقيقة، خاصة من ذوي الخبرة في دعاوى الأحوال الشخصية في العراق في هذه الدعوى، حيث أن التفاصيل الصغيرة في دعوى المطاوعة قد تُحدث فرقاً كبيراً في الحكم القضائي.
خاتمة
في زمن تتعدد فيه التأويلات، وتتشابك فيه الأحكام مع الواقع الاجتماعي، لا بد من صوت قانوني قادر على قراءة النصوص كما هي، دون تحيّز أو اختزال، ومن محامٍ يتقن أدوات القانون العراقي، لا بحثاً عن جدل، بل عن حق يُعاد لأهله، وعدل يُقال في موضعه.