المقال الأول: هل كِبر السن دليل كفاءة في المحاماة؟
المحامية: نور جواد الدليمي/محاكم استئناف الكرخ.
في أوساط الناس، كثيراً ما يُظن أن المحامي كلما تقدّم به العمر، زادت خبرته ومهارته، وبالتالي أصبح الأنسب للتوكيل والاستشارة. هذه الفكرة الشائعة قد تكون صحيحة في بعض الحالات، لكنها ليست قاعدة عامة، بل أحياناً تكون مضللة دون قصد.
ففي العراق، أصبح من المألوف أن يلتحق بعض الموظفين المتقاعدين بدراسة القانون بعد سن الخمسين أو الستين، ثم يحصلون على إجازة ممارسة المحاماة بعد تقاعدهم، أي أنهم يدخلون المهنة في عمر كبير لكن بتجربة عملية محدودة في مجال القضاء والمحاماة. وبذلك قد يكون أحدهم من خريجي العام الماضي، وإن بدا مظهره يوحي بخبرة عقود طويلة.
من هنا، ينبغي أن لا يُتخذ كبر السن مقياساً أو ضماناً للكفاءة، بل يجب البحث عن المحامي الذي أثبت خبرته في الواقع العملي، وتُزكيه التجربة الشخصية للآخرين، لا فقط عدد سنوات عمره.
البديل العملي لهذا المعيار هو السمعة الجيدة والتجربة المجربة. فإذا زكّى لك أحد معارفك – ممن تثق بحكمهم – محامياً بناءً على تعامل حقيقي سابق، فذلك أقرب إلى الموثوقية من مظهر أو إعلان أو مكتب فخم. فكما نمنح المطاعم خمس نجوم في التطبيقات، فإن تزكية موثوقة من شخص خَبِر المحامي بنفسه هي الخمس نجوم الحقيقية في عالم القانون.
من المهم أيضاً أن يفرّق المواطن بين المحامي المتمرس والمحامي الذي يُجيد تقديم الوعود أكثر من تقديم الخدمة. فهناك من يعطي ضمانات لا يملكها، كأن يعد بنتائج لا يضمنها إلا القاضي، وهذا من الأخطاء المتكررة. فالمحامي الصادق يُفترض أن يلتزم ببذل العناية، لا بتحقيق النتيجة، وهو ما يُمثّل جوهر العمل المهني القانوني النزيه.
وفي ختام هذا المقال، نؤكد أننا لا نطعن بزملائنا المحامين، فنحن منهم، ونعرف تماماً ما تواجهه المهنة من تحديات. ما نطرحه هنا هو محاولة لتشخيص مشاكل حقيقية ظهرت في الواقع، وأسهمت في تزايد شكاوى الموكلين، بل وشطب العديد من المحامين من جدول النقابة. هذه السلسلة تسعى لتوجيه المواطن نحو اختيار المحامي الأنسب، لا الأشهر، وفق معايير واقعية وعادلة.