مظهر المصلحة في بلوغ ارادة المشرع: قانون ما بعد الحداثة انموذجاً
المحامية الدكتورة زينب كاظم مسلم التميمي
المقدمة:
تُعد مصلحة الافراد في اطار العلاقات الخاصة الدولية أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها التشريعات في أي نظام قانوني. فالمشرع، عند صياغته للقوانين، يسعى إلى تحقيق مصالح الأفراد والمجتمع ككل، مع مراعاة التوازن بين الحقوق والواجبات. (1) ومع التطورات الحديثة في المجالات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية، ظهرت تحديات جديدة أمام المشرع، خاصة في ظل عصر العولمة وما بعد الحداثة، حيث أصبحت القوانين التقليدية تواجه صعوبات في مواكبة هذه التغيرات السريعة. (2)
في هذا البحث، سنتناول مظهر المصلحة في بلوغ إرادة المشرع، مع التركيز على قانون ما بعد الحداثة كإطار جديد يتعامل مع التحديات المعاصرة. سنناقش كيف أن المصلحة أصبحت محورًا رئيسيًا في تشكيل القوانين الحديثة، وكيف أن تراجع سلطة الدولة التقليدية في التشريع أدى إلى ظهور كيانات جديدة تساهم في صناعة القوانين.
أهمية البحث
تأتي أهمية هذا البحث من كونه يتناول أحد أهم التحولات في الفكر القانوني المعاصر، وهو الانتقال من مركزية الدولة في التشريع إلى تعددية مصادر القانون في عصر ما بعد الحداثة. (3) ففي الماضي، كانت الدولة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك سلطة التشريع، حيث كانت السيادة الإقليمية والسياسة التشريعية منحصرة في يد الدولة. ومع تطور مفهوم الدولة منذ معاهدة ويستفلين عام 1648، أصبحت الدولة هي الكيان الوحيد الذي يمتلك الحق في وضع القوانين وتنظيم العلاقات بين الأفراد والدولة نفسها. (4)
إلا أن التطورات الحديثة، خاصة في ظل العولمة، أدت إلى تراجع هذا الاحتكار. ففي عصر ما بعد الحداثة، لم تعد الدولة هي الجهة الوحيدة التي تضع القوانين، بل ظهرت كيانات جديدة مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات والمجتمعات الافتراضية عبر الإنترنت، والتي أصبحت تساهم في صناعة التشريعات. هذا التحول أدى إلى إعادة تعريف مفهوم السيادة التشريعية، حيث لم تعد الدولة هي المحور الوحيد في صناعة القوانين.
إشكالية البحث
تكمن إشكالية البحث في التساؤل عن كيفية تأثير مصلحة الافراد في اطار العلاقات الخاصة الدولية في تشكيل القوانين في عصر ما بعد الحداثة، حيث أصبحت الكيانات غير الحكومية تساهم في صناعة التشريعات. ففي ظل التعددية القانونية، (5) أصبحت مصلحة الافراد هي المحرك الرئيسي للإرادة التشريعية، حيث تسعى هذه الكيانات إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم، مما أدى إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة. (6)
أهداف البحث
يهدف هذا البحث إلى:
تحليل تطور مفهوم السيادة التشريعية من الدولة إلى الكيانات غير الحكومية في عصر ما بعد الحداثة.
دراسة دور مصلحة الافراد في اطار العلاقات الخاصة الدولية في تشكيل القوانين الحديثة، خاصة في ظل التعددية القانونية.
تقييم تأثير التكنولوجيا والعولمة على صناعة التشريعات، وكيف أدت إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة.
استكشاف تطبيقات مصلحة الافراد في حل النزاعات الإلكترونية، وكيف أصبحت المصلحة محورًا رئيسيًا في تشكيل القوانين التي تنظم هذه النزاعات.
منهجية البحث
يعتمد هذا البحث على المنهج التحليلي المقارن، حيث يتم تحليل التطورات الحديثة في الفكر القانوني وتأثيرها على صناعة التشريعات. كما يتم مقارنة القوانين التقليدية التي تصدرها الدولة مع القوانين الحديثة التي تصدرها الكيانات غير الحكومية في عصر ما بعد الحداثة. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام المنهج الوصفي لوصف التغيرات التي طرأت على مفهوم السيادة التشريعية ودور المصلحة في تشكيل القوانين.
هيكلية البحث
ينقسم البحث إلى ثلاثة مباحث رئيسية:
المبحث الأول: مظهر المصلحة في تراجع سلطة الدولة في صناعة التشريع، حيث يتم تحليل تطور احتكار الدولة لسلطة التشريع ودور المصلحة في تطور الإرادة التشريعية.
المبحث الثاني: مرتكزات المصلحة في قانون ما بعد الحداثة، حيث يتم دراسة التعددية القانونية الكونية ودور القانون الناعم في تشكيل القوانين الحديثة.
المبحث الثالث: تطبيقات المصلحة في ميدان النزاعات الإلكترونية، حيث يتم تحليل دور المصلحة في حل النزاعات الإلكترونية وكيف أصبحت المصلحة محورًا رئيسيًا في تشكيل القوانين التي تنظم هذه النزاعات.
نتائج البحث المتوقعة
من المتوقع أن يخلص البحث إلى أن المصلحة أصبحت المحور الرئيسي في تشكيل القوانين في عصر ما بعد الحداثة، حيث أدى تراجع سلطة الدولة في التشريع إلى ظهور كيانات جديدة تساهم في صناعة القوانين. كما يتوقع أن يظهر البحث أن التعددية القانونية الكونية أصبحت واقعًا لا مفر منه، حيث لم تعد الدولة هي الجهة الوحيدة التي تضع القوانين، بل أصبحت الكيانات غير الحكومية تساهم في تشكيل القوانين التي تحقق مصالح أفرادها.
المبحث الأول
مظهر المصلحة في تراجع سلطة الدولة في صناعة التشريع
1. تطور احتكار الدولة لسلطة التشريع
لطالما كانت الدولة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك سلطة التشريع، حيث كانت السيادة الإقليمية والسياسة التشريعية منحصرة في يد الدولة. ومع تطور مفهوم الدولة منذ معاهدة ويستفليا عام 1648، أصبحت الدولة هي الكيان الوحيد الذي يمتلك الحق في وضع القوانين وتنظيم العلاقات بين الأفراد والدولة نفسها. ومع ذلك، فإن التطورات الحديثة، خاصة في ظل العولمة، أدت إلى تراجع هذا الاحتكار.
ففي عصر ما بعد الحداثة، (7) لم تعد الدولة هي الجهة الوحيدة التي تضع القوانين، بل ظهرت كيانات جديدة مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات والمجتمعات الافتراضية عبر الإنترنت، والتي أصبحت تساهم في صناعة التشريعات. (8) هذا التحول أدى إلى إعادة تعريف مفهوم السيادة التشريعية، حيث لم تعد الدولة هي المحور الوحيد في صناعة القوانين.
2. دور المصلحة في تطور الإرادة التشريعية
مع تراجع سلطة الدولة في التشريع، أصبحت المصلحة العامة محورًا رئيسيًا في تشكيل القوانين. ففي ظل التعددية القانونية التي نشأت في عصر ما بعد الحداثة، لم يعد القانون يقتصر على ما تصدره الدولة، بل أصبح يشمل قوانين تصدرها كيانات أخرى مثل المنظمات الدولية والمجتمعات الافتراضية. هذه الكيانات تسعى إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم، مما أدى إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة.
في هذا السياق، أصبحت المصلحة هي المحرك الرئيسي للإرادة التشريعية، حيث تسعى هذه الكيانات إلى تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها. وهذا ما أدى إلى ظهور مفهوم “القانون الناعم” (Soft Law)، الذي يعتمد على التوجيهات والإرشادات بدلًا من القواعد الصارمة المقترنة بالجزاءات. (9)
3. تأثير العولمة على سلطة الدولة التشريعية
العولمة، كظاهرة اقتصادية وثقافية وسياسية، أدت إلى تقليص دور الدولة في العديد من المجالات، بما في ذلك التشريع. فمع تزايد حركة الأفراد والسلع والخدمات عبر الحدود، أصبحت القوانين الوطنية غير كافية لتنظيم هذه العلاقات العابرة للحدود. هذا أدى إلى ظهور قوانين دولية وعابرة للحدود، تصدرها منظمات مثل منظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي، والتي تسعى إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم.
في هذا السياق، أصبحت المصلحة هي المحور الرئيسي في تشكيل القوانين، حيث تسعى هذه الكيانات إلى تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها. وهذا ما أدى إلى ظهور مفهوم “القانون الناعم”، الذي يعتمد على التوجيهات والإرشادات بدلًا من القواعد الصارمة المقترنة بالجزاءات.
4. التحديات التي تواجه سلطة الدولة التشريعية
على الرغم من الفوائد التي توفرها التعددية القانونية، إلا أنها تواجه العديد من التحديات. فمن ناحية، هناك صعوبة في التنسيق بين القوانين الصادرة عن الكيانات المختلفة، مما قد يؤدي إلى تضارب في القوانين. ومن ناحية أخرى، هناك قلق من أن تؤدي التعددية القانونية إلى تقويض سلطة الدولة، مما قد يؤثر على استقرار النظام القانوني.
5. الحلول المقترحة لتحديات سلطة الدولة التشريعية
للتغلب على التحديات التي تواجه سلطة الدولة التشريعية، يمكن اعتماد عدة حلول. فمن ناحية، يمكن تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لتنسيق القوانين التي تنظم العلاقات العابرة للحدود. ومن ناحية أخرى، يمكن تطوير آليات جديدة لحل النزاعات، مثل التحكيم الدولي، الذي يعتمد على التكنولوجيا لتسوية النزاعات بشكل سريع وفعال.
المبحث الثاني
مرتكزات المصلحة في قانون ما بعد الحداثة
1. التعددية القانونية الكونية
في عصر ما بعد الحداثة، شهد العالم تحولًا جذريًا في مفهوم القانون، حيث لم يعد القانون يقتصر على ما تصدره الدولة فقط، بل أصبح يشمل قوانين تصدرها كيانات أخرى مثل المنظمات الدولية والمجتمعات الافتراضية. هذه الكيانات تسعى إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم، مما أدى إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة.
التعددية القانونية الكونية تعني أن القوانين لم تعد محصورة في إطار الدولة، بل أصبحت تشمل قوانين تصدرها كيانات أخرى مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات. هذه الكيانات تسعى إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم، مما أدى إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة.
في هذا السياق، أصبحت المصلحة العامة هي المحرك الرئيسي للإرادة التشريعية. فالكيانات الجديدة التي تساهم في صناعة القوانين تسعى إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم، مما أدى إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة.
2. القانون الناعم (Soft Law)
في إطار التعددية القانونية، ظهر مفهوم “القانون الناعم”، الذي يعتمد على التوجيهات والإرشادات بدلاً من القواعد الصارمة المرتبطة بالعقوبات. هذا النوع من القوانين يعتمد على التوافق المجتمعي والقبول الطوعي من الأفراد، بدلاً من فرض الالتزامات القانونية القسرية. (10)
أصبح القانون الناعم أداة فعالة في تنظيم العلاقات الدولية، خاصة في المجالات التي يصعب فيها تطبيق القوانين التقليدية، مثل التجارة الإلكترونية وحقوق الإنسان. في هذه المجالات، تُعتبر التوجيهات والإرشادات الصادرة عن المنظمات الدولية أكثر تأثيرًا من القوانين الصارمة التي تصدرها الدول.
على سبيل المثال، في مجال التجارة الإلكترونية، تُظهر التوجيهات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية فعالية أكبر في تنظيم المعاملات الدولية مقارنة بالقوانين المحلية التي قد لا تتوافق مع طبيعة هذه المعاملات.
3. دور المصلحة في تشكيل القانون الناعم
في ظل التعددية القانونية، أصبحت المصلحة هي المحرك الرئيسي للإرادة التشريعية. فالكيانات الجديدة التي تساهم في صناعة القوانين تسعى إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم، مما أدى إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة.
على سبيل المثال، في مجال حقوق الإنسان، أصبحت التوجيهات الصادرة عن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة أكثر فعالية في حماية حقوق الأفراد من القوانين المحلية التي قد لا تكون كافية لحماية هذه الحقوق.
4. التحديات التي تواجه التعددية القانونية
على الرغم من الفوائد التي توفرها التعددية القانونية، إلا أنها تواجه العديد من التحديات. فمن ناحية، هناك صعوبة في التنسيق بين القوانين الصادرة عن الكيانات المختلفة، مما قد يؤدي إلى تضارب في القوانين. ومن ناحية أخرى، هناك قلق من أن تؤدي التعددية القانونية إلى تقويض سلطة الدولة، مما قد يؤثر على استقرار النظام القانوني.
في هذا السياق، أصبحت المصلحة العامة هي المحور الرئيسي في تشكيل القوانين، حيث تسعى هذه الكيانات إلى تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها. وهذا ما أدى إلى ظهور مفهوم “القانون الناعم”، الذي يعتمد على التوجيهات والإرشادات بدلًا من القواعد الصارمة المقترنة بالجزاءات…..
على سبيل المثال، في مجال التجارة الدولية، قد يؤدي تضارب القوانين الصادرة عن الدول والمنظمات الدولية إلى صعوبة في تنظيم المعاملات الدولية، مما قد يؤثر على استقرار النظام التجاري الدولي.
5. الحلول المقترحة لتحديات التعددية القانونية
للتغلب على التحديات التي تواجه التعددية القانونية، يمكن اعتماد عدة حلول. فمن ناحية، يمكن تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لتنسيق القوانين التي تنظم العلاقات العابرة للحدود. ومن ناحية أخرى، يمكن تطوير آليات جديدة لحل النزاعات، مثل التحكيم الدولي، الذي يعتمد على التكنولوجيا لتسوية النزاعات بشكل سريع وفعال……
في هذا السياق، أصبحت المصلحة هي المحور الرئيسي في تشكيل القوانين، حيث تسعى هذه الكيانات إلى تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها. وهذا ما أدى إلى ظهور مفهوم “القانون الناعم”، الذي يعتمد على التوجيهات والإرشادات بدلًا من القواعد الصارمة المقترنة بالجزاءات……
على سبيل المثال، في مجال التحكيم الدولي، يمكن استخدام التكنولوجيا لتسوية النزاعات بشكل سريع وفعال، مما يساعد على تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المتعارضة.
6. دور التكنولوجيا في تعزيز التعددية القانونية
في عصر ما بعد الحداثة، أصبحت التكنولوجيا تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز التعددية القانونية. فمن خلال استخدام التكنولوجيا، يمكن تسهيل عملية تنسيق القوانين بين الدول والمنظمات الدولية، مما يساعد على تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها.
على سبيل المثال، يمكن استخدام التكنولوجيا لتسهيل عملية تبادل المعلومات بين الدول والمنظمات الدولية، مما يساعد على تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها.
7. مستقبل التعددية القانونية في عصر ما بعد الحداثة
في المستقبل، من المتوقع أن تستمر التعددية القانونية في التطور، حيث ستلعب التكنولوجيا دورًا رئيسيًا في تعزيز هذه التعددية. فمن خلال استخدام التكنولوجيا، يمكن تسهيل عملية تنسيق القوانين بين الدول والمنظمات الدولية، مما يساعد على تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها.
على سبيل المثال، يمكن استخدام التكنولوجيا لتسهيل عملية تبادل المعلومات بين الدول والمنظمات الدولية، مما يساعد على تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات التي تمثلها.
في الختام، يمكن القول إن التعددية القانونية في عصر ما بعد الحداثة أصبحت واقعًا لا مفر منه، حيث تسعى الكيانات الجديدة إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم. ومع ذلك، فإن هذه التعددية تواجه العديد من التحديات التي تحتاج إلى حلول مبتكرة لضمان استقرار النظام القانوني.
المبحث الثالث
تطبيقات المصلحة في ميدان النزاعات الإلكترونية
1. النزاعات الإلكترونية وقانون ما بعد الحداثة
مع تطور التكنولوجيا وانتشار الإنترنت، ظهرت تحديات جديدة في مجال النزاعات الإلكترونية. ففي ظل العولمة، أصبحت النزاعات الإلكترونية تتجاوز الحدود التقليدية للدولة، مما أدى إلى صعوبة تطبيق القوانين التقليدية في هذه المجالات. في هذا السياق، أصبح المصلحة المحور الرئيسي في تشكيل القوانين التي تنظم النزاعات الإلكترونية، حيث تسعى الكيانات الجديدة التي تساهم في صناعة القوانين إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم.
مثال: في مجال التجارة الإلكترونية، أصبحت النزاعات الإلكترونية تتجاوز الحدود التقليدية للدولة، مما أدى إلى صعوبة تطبيق القوانين التقليدية في هذه المجالات.
2. دور المصلحة في حل النزاعات الإلكترونية
في ظل التعددية القانونية، أصبحت المصلحة هي المحرك الرئيسي في حل النزاعات الإلكترونية. فالكيانات الجديدة التي تساهم في صناعة القوانين تسعى إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم، مما أدى إلى ظهور قوانين جديدة تتجاوز الحدود التقليدية للدولة. التوجيهات الصادرة عن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة أصبحت أكثر فعالية في حماية حقوق الأفراد من القوانين المحلية التي قد لا تكون كافية لحماية هذه الحقوق.
3. التحديات التي تواجه حل النزاعات الإلكترونية
رغم الفوائد التي توفرها التعددية القانونية في حل النزاعات الإلكترونية، إلا أنها تواجه العديد من التحديات. من أبرز هذه التحديات:
تحديد القانون الواجب التطبيق: في ظل الطبيعة العابرة للحدود لهذه النزاعات، يصعب تحديد القانون الذي يجب تطبيقه.
تقويض سلطة الدولة: هناك قلق من أن تؤدي التعددية القانونية إلى تقويض سلطة الدولة، مما قد يؤثر على استقرار النظام القانوني.
ظهور “القانون الناعم”، الذي يعتمد على التوجيهات والإرشادات بدلًا من القواعد الصارمة المقترنة بالجزاءات، يعتبر أحد الحلول المطروحة لهذه التحديات.
4. الحلول المقترحة لتحديات النزاعات الإلكترونية
لتجاوز تحديات النزاعات الإلكترونية، يمكن تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لتنسيق القوانين التي تنظم هذه النزاعات. كما يمكن تطوير آليات جديدة مثل التحكيم الإلكتروني، الذي يعتمد على التكنولوجيا لتسوية النزاعات بشكل سريع وفعال. التركيز على المصلحة في تشكيل القوانين يعزز تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات.
5. دور التكنولوجيا في تعزيز التعددية القانونية
في عصر ما بعد الحداثة، لعبت التكنولوجيا دورًا رئيسيًا في تعزيز التعددية القانونية، حيث ساعدت في تنسيق القوانين بين الدول والمنظمات الدولية. كما ساهمت في تسهيل تبادل المعلومات بين الدول، مما يساهم في تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات.
6. مستقبل التعددية القانونية
من المتوقع أن تواصل التعددية القانونية تطورها بفضل التكنولوجيا، مما سيسهل تنسيق القوانين بين الدول والمنظمات الدولية وتحقيق التوازن بين المصالح المختلفة. على الرغم من التحديات، تظل التعددية القانونية واقعًا أساسيًا في عصر ما بعد الحداثة، حيث تسعى الكيانات الجديدة إلى حماية حقوق الأفراد وتحقيق مصالحهم.
الخاتمة:
في ختام هذا البحث، يمكن القول إن التطورات المتسارعة في عصر ما بعد الحداثة، خاصة في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي، قد أدت إلى تحولات جذرية في مفهوم التشريع وسلطة الدولة التقليدية. لم تعد الدولة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك سلطة وضع القوانين، بل ظهرت كيانات جديدة مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات والمجتمعات الافتراضية، والتي أصبحت تساهم بشكل فعال في صناعة التشريعات. في هذا السياق، أصبحت المصلحة المحور الرئيسي في تشكيل الإرادة التشريعية، حيث تسعى هذه الكيانات إلى تحقيق مصالح أفرادها وحماية حقوقهم.
من خلال تحليل تطور مفهوم السيادة التشريعية ودور المصلحة العامة في تشكيل القوانين الحديثة، توصل البحث إلى أن التعددية القانونية أصبحت واقعًا لا مفر منه في عصر ما بعد الحداثة. ومع ذلك، فإن هذه التعددية تواجه تحديات كبيرة، مثل تضارب القوانين وتقويض سلطة الدولة، مما يتطلب حلولًا مبتكرة لضمان استقرار النظام القانوني.
في المستقبل، من المتوقع أن تستمر التعددية القانونية في التطور، خاصة مع تعزيز دور التكنولوجيا في تسهيل عملية تنسيق القوانين بين الدول والمنظمات الدولية. كما أن التركيز على المصلحة العامة سيظل محورًا رئيسيًا في تشكيل القوانين التي تنظم العلاقات العابرة للحدود، بما في ذلك النزاعات الإلكترونية.
في النهاية، يمكن القول إن التعددية القانونية تعكس تحولًا جذريًا في الفكر القانوني المعاصر، حيث أصبحت المصلحة العامة هي المحرك الرئيسي للإرادة التشريعية. ومع استمرار تطور التكنولوجيا والعولمة، ستظل هذه التعددية تتطلب تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لضمان تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمعات.
الهوامش
- د. احمد عبد الكريم سلامة، القانون الدولي الخاص النوعي، ط1, دار النهضة العربية , 2003, ص 5 وما بعدها.
- راجع (Lider) BAL: Le Mythe de la Souveraineté en Droit International, La souveraineté des états à l’épreuve des mutations de l’ordre juridique international, Thèse, Université de Strasbourg, 2012, P 29- 34
- محمد محمود الزعبي، “التشريع والمصلحة العامة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي”، دار الفكر العربي، 2018.
- H.L.A. Hart, The Concept of Law, Oxford University Press, 1961.
- 5. علي محيي الدين القره داغي، “المصلحة العامة في التشريع الإسلامي”، دار القلم، 2010
- Ronald Dworkin, Law’s Empire, Harvard University Press, 1986.
- خالد بن محمد العتيبي، “دور المصلحة العامة في التشريع الحديث”، مجلة جامعة الملك سعود، 2019
- Anne-Marie Slaughter, “The Real New World Order,” Foreign Affairs, 1997.
- سعد بن عبد الله الحميد، “التعددية القانونية في عصر ما بعد الحداثة”، مجلة البحوث القانونية، 2020
- mondialisation, in collection, La science du droit dans la (Jean-Jacques) SUEUR: Analyser le pluralisme pour comprendre laglobalisation, BRUYLANT, 2012, pp 89-114, spec p 108 et s
- (Paul Schiff) BERMAN: Global legal pluralism, op.cit, p 1229-1230 .
- جيرا رد كورون، معجم المصطلحات القانونية، ترجمة منصور القاضي، مؤسسة المجد الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت الطبعة الأولى 1991 ، ص_1078_1079. اشار اليه د. اسماعيل نامق، العدالة بين الفلسفة والقانون، الفراهيدي _للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2714 ، ص 47