أنا لا أُفرّق بين زوجين… أنا أحمي إنسانة
المحامية نور جواد جاسم/محكمة الاحوال الشخصية في الكرخ
أنا محامية. اعتدت أن أكون صوتاً لمن خُنق صوتها، ودرعاً لمن أُهدر حقه في صمت البيوت المغلقة. كثيرون يظنون أن طلبي لـ”التفريق” بين زوجين هو نهاية حكاية… لكنهم لا يرون البداية.
نصت المادة القانونية بكل وضوح:
“لكل من الزوجين طلب التفريق عند توافر أحد الأسباب التالية:
1- إذا أضر أحد الزوجين بالزوج الآخر أو بأولادهما ضرراً يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية.
ويُعتبر من قبيل الإضرار، الإدمان على تناول المسكرات أو المخدرات، على أن تثبت حالة الإدمان بتقرير من لجنة طبية رسمية مختصة.”
هذا ليس مجرد سطر قانوني… هذا هو الباب الذي تطرقه امرأة فقدت الأمل، أمٌ تبكي كل ليلة خوفاً على أطفالها، زوجة شابة تذبل أمام رجل لا يراها، ولا يرى نفسه، ولا يرى الحياة إلّا من قاع زجاجة.
عندما أقف أمام القاضي، لا أحمل فقط مستندات وتقارير طبية. أحمل دموعاً حُبست لسنوات، وكدمات غُطيت بالمكياج، وأحلاماً صغيرة نامت في قلوب الأطفال دون أن تتحقق. أقولها بوضوح: “سيدي القاضي، موكلتي لم تطلب التفريق لأن الحب انتهى، بل لأن الخوف بدأ.”
هل تعتقدون أن الإدمان مجرد عادة سيئة؟
الإدمان سمٌّ يتسرب إلى تفاصيل الحياة. لا يُدمَّر فيه فقط الجسد، بل تُسحق الكرامة، ويُشوّه الأمان، وتُدفن الطمأنينة تحت صراخٍ يومي وأبواب تُغلق بعنف.
أنا لا أطلب الطلاق نزوةً، ولا أسعى لتفريق قلبين عبثاً. أنا أقرأ القانون بعد أن أسمع الحكاية.
القانون قال: “إذا أُضرّ أحد الزوجين بالآخر ضرراً يتعذر معه الاستمرار…”
وهل هناك ضررٌ أشد من امرأة تخاف أن ينهار زوجها أمام أولاده وهو غائب في غيبوبته؟
أو طفلٍ يرتجف إذا سمع صوت خطوات والده العائد سكراناً؟
القانون لم يُشرّع التفريق لهدم البيوت… بل لحمايتها من الانهيار.
التقارير الطبية الرسمية عن الإدمان ليست حُكماً بالإعدام، بل شهادة استغاثة من جسد وعقل لم يعودا يملكان السيطرة.
لكل من يرى في المحامية خصماً، تذكّر أنني أحياناً أكون الملجأ الأخير لإنسانة تبحث عن الحياة… لا الحرب.