هل بيع العقار عند الدلال في العراق ينقل الملكية قانوناً؟

المحامي: ايوب حميد/متخصص بالقضايا التجارية

في الواقع اليومي، وتحديدا في سوق العقارات العراقي، تنتشر ظاهرة تعرف بـ”المكاتبة عند الدلال”، حيث يبرم البائع والمشتري اتفاقا ابتدائيا يحرر في مكتب دلالية او بخط اليد، يتضمن تحديد العقار والثمن وشروط التسليم. وغالبا ما تسلم الاموال والعقار بموجب هذا الاتفاق، فيعتقد الطرفان – او احدهما – ان البيع قد اكتمل قانونا. لكن الحقيقة ان هذه المكاتبة، رغم جديتها الظاهرية، لا ترتب اي اثر قانوني في نقل ملكية العقار، لانها لا ترقى الى مستوى العقد الرسمي المطلوب قانونا، ولا تغني عن التسجيل في دائرة التسجيل العقاري المختصة. فوفق القانون المدني العراقي وقانون التسجيل العقاري، يعد التسجيل ركنا جوهريا لانعقاد عقد بيع العقار، لا مجرد اجراء ثانوي، وقد اكدت المحاكم العراقية هذا المبدأ بشكل متكرر.

وبالاستناد الى المادة 1127 من القانون المدني، فان التعهد بنقل ملكية عقار لا يخلق التزاما فعليا بنقل الملكية، وانما يترتب عليه فقط تعويض في حال الاخلال، سواء ذكر ذلك صراحة في التعهد ام لا. وبناء على ذلك، فان المشتري الذي اكتفى بالمكاتبة دون تسجيل، لا يملك من الناحية القانونية سوى الحق في المطالبة بالتعويض، او استرداد ما دفعه من ثمن، لكنه لا يعد مالكا للعقار.

ومع اتساع هذه الظاهرة وارتفاع اسعار العقارات، تدخل المشرع العراقي من خلال القرار رقم 1198 لسنة 1977، ومنح المشتري المتضرر وسائل قانونية اوسع، تختلف بحسب حال العقار واستعمال المشتري له. فان كان العقار مشيدا وسكنه المشتري، او اقام عليه بناء معتبرا، فله اقامة دعوى التمليك لاجبار البائع على اتمام التسجيل. اما اذا لم يسكن العقار او لم يحدث فيه مشيدات، فله اقامة دعوى فرق البدلين، اي المطالبة بالفرق بين قيمة العقار وقت الاتفاق وقيمته وقت نكول البائع عن التسجيل.

هذا الاطار القانوني يعكس سعي المشرع للتوفيق بين الشكلية القانونية الصارمة في عقود بيع العقار، وبين مقتضيات العدالة وحماية حسن النية في التعاملات، خصوصا في بيئة يكثر فيها البيع غير الرسمي. ومع ذلك، لا يزال اشتراط التسجيل كركن لانعقاد البيع محل جدل قانوني، بين من يعتبره ضمانة لحماية الملكية وتنظيم السوق، ومن يراه عائقا يهدر ثقة المواطن في التعاقدات. وهو ما يبرز الحاجة الى مراجعة تشريعية تحقق التوازن بين الامان القانوني والمرونة الواقعية.

وفي هذا السياق، تواصل شبكة المحامين العراقيين اداء دورها في رفع مستوى الوعي القانوني، من خلال التثقيف القانوني وتقديم الاستشارات المتخصصة، لضمان ان تكون العقود العقارية سليمة، واضحة، ومحميّة من المخاطر القانونية التي قد تنشأ عن الاجراءات غير الرسمية.