الدكة العشائرية: بين التهديد والارهاب، وتكييفها القانوني في ضوء الاجتهاد القضائي العراقي

المحامي: عبد الله حسين التميمي/محاكم استئناف الكرخ.

تُعدّ الدكة العشائرية من الممارسات العرفية التي ما زالت تُستخدم في بعض مناطق العراق كوسيلة لفضّ النزاعات أو إرسال رسائل تهديد لأطراف الخصومة. وغالباً ما تتخذ شكل إطلاق نار جماعي على منزل شخص ما بقصد التهديد أو الإهانة، دون نية مباشرة بالقتل، لكنها في كثير من الأحيان تنطوي على مخاطر جدية. هذا السلوك أثار جدلاً قانونياً حول تكييفه القانوني الصحيح: هل هو مجرد تهديد وفق المادة 430/1 من قانون العقوبات العراقي، أم يدخل ضمن الأفعال الإرهابية وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005؟

التكييف القانوني وفق المادة 430/1 عقوبات

تنص المادة 430/1 من قانون العقوبات العراقي على:

“يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس من هدد آخر بارتكاب جناية ضد نفسه أو ماله أو نفس أو مال غيره إذا كان التهديد مصحوباً بطلب أو بتكليف بأمر.”

استناداً إلى هذه المادة، يمكن تكييف الدكة العشائرية على أنها تهديد بارتكاب جناية، خصوصاً حين يُطلق النار على دار أحد الخصوم بقصد التخويف أو إجباره على الرضوخ لمطالب عشائرية. هذا التكييف يفترض أن لا يكون الفعل قد أدى إلى إصابات أو أضرار جسيمة، وأن الدافع الأساسي هو “التهديد المعنوي”، لا القتل أو الترويع الجماعي.

التكييف القانوني وفق المادة 4 من قانون الإرهاب

أما قانون مكافحة الإرهاب، فقد نص في مادته الثانية: تعد الافعال الاتية من الافعال الارهابية: “العنف او التهديد الذي هدف الى القاء الرعب بين الناس او تعرض حياتهم وحرياتهم وامنهم للخطر وتعريض اموالهم وممتلكاتهم للتلف ايا كانت بواعثه واغراضه يقع تنفيذا لمشروع ارهابي منظم فردي او جماعي.”

وفي بعض حالات “الدكة العشائرية”، خصوصاً إذا تمت باستخدام الاسلحة واستمرار اطلاق النار وأحدثت هلعاً عاماً، فإنها قد تنطبق على هذا التعريف. فالفعل لم يعد مجرد تهديد لشخص بعينه، بل بات وسيلة ترويع جماعي تهدد أمن المجتمع، وقد استقرت بعض المحاكم على اعتبارها جريمة إرهابية متى توافرت النية العامة للإخلال بالنظام أو إلحاق الضرر الجماعي.

موقف القضاء العراقي

أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق توجيهاً واضحاً في السنوات الأخيرة يُصنف “الدكة العشائرية” ضمن الأفعال الإرهابية إذا اقترنت بسلوكيات تمثل خطراً جماعياً، كالاعتداء المسلح على دور سكنية أو استخدام الأسلحة النارية بشكل يهدد سلامة المدنيين. وقد صدرت أحكام فعلية بحق متهمين بهذه الجريمة استناداً إلى قانون مكافحة الإرهاب، خاصة في المناطق التي شهدت تصاعداً في هذه الظاهرة.

ومع ذلك، لا يزال التكييف القضائي يعتمد على ظروف كل واقعة على حدة. فإن كانت الدكة محدودة التأثير، ولم تؤدِّ إلى إصابات أو ذعر واسع، فقد تُكيف على أنها تهديد فقط. أما إذا توافرت فيها عناصر الترويع المجتمعي أو الإخلال بالأمن العام، فإنها تُصنف كجريمة إرهابية.

وفي هذا السياق، صدر الإعـمام القضائي المرقم 239/مكتب/2025 بتاريخ 2025/2/25 الملحق بأعمام سابق بتاريخ 2023/2/23 عن مجلس القضاء الأعلى، والذي أكد على ضرورة اعتبار “الدكة العشائرية” من الجرائم الإرهابية متى ما توافرت فيها العناصر المادية والمعنوية المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب.

ضرورة الاستعانة بمحامٍ

نظراً لتفاوت التكييفات وتعدد القوانين ذات العلاقة، فإن التعامل مع مثل هذه القضايا يتطلب فهماً دقيقاً للسياق القانوني والسوابق القضائية. لذلك، فإن استشارة محامٍ خبير ليست ترفاً، بل ضرورة حقيقية، سواء كنت متهماً أو متضرراً، لضمان حقوقك وتحديد المسار القانوني الأفضل.