هل يكفي التنازل لإغلاق دعوى الصك بدون رصيد؟ الحقيقة القانونية التي لا يعرفها الكثيرين
المحامي: عبد الله حسين التميمي/غرفة محامي محكمة جنح الكرخ.
في مشهد يتكرر كثيراً داخل أروقة المحاكم العراقية، نرى متهمين يقفون على خلفية جريمة إصدار صك بدون رصيد، رغم أن الطرف المتضرر قد تنازل. لكن ما يغيب عن أذهان الكثيرين أن هذه الجريمة لا تُغتفر بمجرد إسقاط الحق الشخصي، لأنها تتعدى حدود العلاقة بين الطرفين لتلامس النظام العام، وتخضع لما يُعرف بـ “الحق العام”.
ما هو الصك؟
الصك، في جوهره، هو أداة وفاء لا أداة ضمان، وهو يحمل في طياته ضمانة قانونية تفترض توفر رصيد كافٍ عند تقديمه. وعندما يُقدَّم الصك، ويُرفض لعدم كفاية الرصيد، يتحول الأمر من مجرد إخلال مدني إلى جريمة جزائية تمس الثقة بالمعاملات التجارية والنظام الاقتصادي ككل.
الحق العام لا يُسقط بالتنازل
قد يعتقد البعض أن تنازل المستفيد (المشتكي) عن الشكوى يكفي لغلق الدعوى، لكن هذا غير دقيق. فالمادة (459) من قانون العقوبات العراقي تُجرّم إصدار شيك بدون رصيد، وتعتبر هذه الجريمة من الجرائم التي يتغلب فيها الحق العام على الخاص. وبناءً عليه، فإن التنازل لا يؤدي تلقائياً إلى غلق الدعوى.
بمعنى آخر، حتى لو وافق المشتكي على التنازل، فإن الدولة – ممثلة بالقضاء – قد تستمر في ملاحقة المتهم جزائياً، لأن الضرر لم يقع على شخص واحد فقط، بل على الثقة العامة التي تُعتبر العمود الفقري لأي نظام مالي سليم.
هل أحتاج إلى محامٍ؟ نعم…
التعامل مع جريمة من هذا النوع دون محامٍ هو كمن يحاول اجتياز طريق مليء بالألغام وهو مغمض العينين. المحامي هنا لا يكتفي فقط بتقديم دفاع قانوني، بل يكون أشبه بجهاز ملاحة ذكي وسط تعقيد الإجراءات، يقودك بين الحق الشخصي والحق العام، بين الغرامة والحبس، وربما نحو براءة كاملة أو وقف تنفيذ.
محامٍ جيد لا يحفظك من الحبس فقط، بل يعلّمك كيف لا تعود إليه. يفاوض، يدفع، يرافع، ويقرأ ما بين السطور في أوراق الدعوى. بل يمكن القول إن المحامي هو “الصك القانوني” الذي لا يعود بدون رصيد.
الخلاصة
جريمة إصدار صك بدون رصيد ليست مسألة يمكن حلّها بورقة تنازل فقط، لأنها تمس النظام العام، وتخضع للحق العام الذي لا يُسقط بالتسامح الفردي. ومن هنا، تصبح الاستعانة بمحامٍ متخصص ضرورة لا رفاهية، لمن أراد الخروج من الورطة بأقل الخسائر، أو حتى بلا خسارة إطلاقًا.