الاحتيال الالكتروني…عمليات النصب بالعملات الرقمية
المحامي/ايوب حميد
من يقرأ المشهد المالي في العراق اليوم يدرك اننا امام تحول عالمي لم نتهيأ له بعد فالعالم يتجه نحو الاقتصاد الرقمي والبنوك المركزية تتحدث عن العملات الوطنية الرقمية بينما ما زال العراق يتعامل مع العملات المشفرة وكأنها مجرد موجة مؤقتة يجب منعها لكن الحقيقة ان هذا المنع لم يوقف التداول بل دفعه الى الظل بعيدا عن رقابة القانون وتحت رحمة المحتالين
البنك المركزي العراقي كان واضحا في موقفه التعامل بالعملات الرقمية غير مرخص والتداول بها ممنوع داخل النظام المالي الرسمي كما الزم المصارف بتحذير العملاء ومراقبة اي تعاملات يشتبه بانها رقمية تطبيقا لقانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب رقم 39 لسنة 2015 وهذا يعني ان اي نشاط مالي او استثماري رقمي ما لم يكن خاضعا لترخيص رسمي يعد نشاطا مخالفا يعرض اصحابه للمساءلة
ومع ذلك يظل المأزق الاكبر هو الفراغ التشريعي فالقانون العراقي لا يتضمن حتى اليوم نصوصا خاصة تنظم العملات الرقمية لا من حيث الترخيص ولا من حيث العقوبة والنتيجة ان المتداولين والمستثمرين يقعون في منطقة رمادية لا حماية فيها ولا ضمانات حيث يمكن ان يخسر الفرد امواله كلها دون ان يجد سندا قانونيا واحدا يحميه
من جهة اخرى تتجه الدولة حاليا الى تطوير عملة رقمية رسمية يصدرها البنك المركزي العراقي وهي تختلف جوهريا عن العملات النقدية الورقية من حيث كونها خاضعة للرقابة والاصدار المركزي وتتمتع بضمان قانوني من البنك المركزي هذه الخطوة تمثل محاولة للانتقال نحو الاقتصاد الرقمي المنظم لكنها في الوقت ذاته تفتح نقاشا واسعا حول مستقبل التعاملات المالية غير النقدية وحدود الرقابة الحكومية عليها
وبحكم عملي كمحام في بغداد يختص بالقضايا التجارية والبداءة ارى تزايدا في القضايا المتعلقة بعمليات نصب واحتيال عبر الانترنت خصوصا تلك التي ترتبط بالعملات الرقمية او مشاريع استثمارية رقمية مشبوهة يبدأ الملف عادة بشكوى جزائية امام محكمة التحقيق ثم يحال المتهمون الى محاكم الجنح اذا توافرت اركان جريمة الاحتيال المنصوص عليها في المادة 456 من قانون العقوبات العراقي اما الضحايا وبعد اكتمال الجانب الجزائي فيتوجهون الى محاكم البداءة للمطالبة بالتعويض المالي عن الاضرار التي لحقت بهم نتيجة الاحتيال او ضياع اموالهم في تلك المشاريع الوهمية وهذا التسلسل القضائي يكشف بوضوح كيف تتوزع المسؤولية بين الجانب الجزائي والمدني في ظل غياب قانون خاص ينظم المعاملات الرقمية او يحمي المستثمرين فيها
وفي ظل هذا الغياب التشريعي تبرز جريمة الاحتيال كالسقف القانوني الذي يطبق على كثير من هذه الحالات فالمادة 456 من قانون العقوبات تعاقب كل من يستعمل طرقا احتيالية لايهام الناس بمشروع كاذب او تصرف مالي مزور بقصد الحصول على مال غير مشروع وبناء عليه فان اي شخص يروج لمنصات رقمية وهمية او استثمارات غير مرخصة يدخل في نطاق هذه الجريمة حتى وان حاول تغليف فعله بشعارات التكنولوجيا او الربح السريع
اليوم يفتح امامنا سؤال قانوني جوهري هل الحل في المنع ام في التنظيم المنع وحده لا يكفي لان السوق الرقمية قائمة فعليا سواء اعترفنا بها ام لا والمنصات التي تدار من خارج البلاد تمارس نشاطها بين العراقيين يوميا اما التنظيم فهو الطريق القانوني الصحيح ليس لتشجيع المقامرة المالية بل لحماية المواطن من الوقوع ضحية لمشاريع احتيالية ولحماية الدولة من حركة اموال لا تعرف مصادرها ولا مصيرها