التعديلات الجديدة على قانون الأحوال الشخصية العراقي: بين الحرية الدينية وإشكالية المساواة
المحامية الهام الركابي
في فبراير 2025، أُقِرَّ تعديل جديد على قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959، مما أثار جدلاً واسعاً بين الأوساط القانونية، الدينية، والاجتماعية. يُتيح التعديل للزوجين اختيار تطبيق الأحكام الشرعية للمذهب الشيعي الجعفري حصرا في مسائل الزواج، الطلاق، الحضانة، والميراث، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور أنظمة قانونية منفصلة بناءً على المذهب الديني، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذا القرار على وحدة النسيج الاجتماعي والمساواة أمام القانون.
ينطوي القانون الجديد على تغييرات جوهرية ومنها السماح للأفراد باختيار تطبيق الأحكام الشرعية للمذهب الشيعي فيما يخص الأحوال الشخصية، وعدم السماح لهم في التراجع عن التطبيق المذهبي فيما بعد عنده اختياره كذلك الموافقة على التطبيق المذهبي بمجرد ان يطلب احد الزوجين تطبيقه دون شرط موافقة الطرف الاخر في العقد بدلًا من الالتزام بقانون موحد .
وفقًا للمؤيدين، يُلبِّي هذا التعديل متطلبات بعض المذاهب الدينية، ويعزز حرية الأفراد في اختيار القوانين التي تتماشى مع معتقداتهم الدينية، وهو ما يُنظر إليه على أنه خطوة نحو تعزيز التعددية الدينية في العراق.
في المقابل، واجهت هذه التعديلات انتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان والناشطين في مجال حقوق المرأة، حيث أشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن هذه التعديلات قد تفتح الباب أمام انتهاكات خطيرة لحقوق النساء.
إحدى أبرز الإشكاليات تكمن في إمكانية تقويض مبدأ المساواة أمام القانون، حيث قد تختلف الأحكام المطبقة على الأفراد تبعاً لانتمائهم الديني أو المذهبي، مما يُهدد بتعزيز التفرقة داخل المجتمع العراقي الذي بحاجة ماسة لقوانين صارمة ورادعة تقف وجها لوجه مع اي انقسامات.
وفي ظل استمرار الجدل حول هذه التعديلات، يمكن أن تترتب على القانون تداعيات اجتماعية وقانونية طويلة الأمد، منها:
• تعزيز الانقسام القانوني: قد يؤدي تطبيق الأحكام الشرعية المختلفة إلى تفكك النظام القانوني الموحد، مما يزيد من التعقيدات أمام المحاكم والقضاة عند التعامل مع القضايا العائلية التي يفترض ان تكون على درجة عالية من الحساسية كون العائلة هي اهم بناء في نسيج المجتمع .
-تراجع حقوق المرأة: في حال التطبيق المذهبي، قد تتراجع المكتسبات القانونية القليلة التي حصلت عليها النساء بموجب القانون الموحد، خاصة في مسائل الطلاق والحضانة والميراث.
•ويُعد فرض تطبيق المذهب الجعفري في مسائل الأحوال الشخصية دون إمكانية التراجع عنه انتهاكاً لمبدأ حرية الأفراد الذي يكفله الدستور. فالتقييد بهذا المذهب دون خيار التغيير يخالف الأسس الدستورية التي تضمن حق الأفراد في اختيار القوانين التي تنظم شؤونهم الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السماح لأحد طرفي عقد الزواج بطلب تطبيقه بشكل منفرد يتعارض مع الطبيعة التوافقية للعقد، حيث إن الزواج هو عقد رضائي يتطلب تلاقي إرادتين، وليس عقداً بإرادة منفردة. وبالتالي، فإن فرض هذا التطبيق المذهبي بهذه الصورة يمثل إخلالاً بمبادئ العدالة والتعاقد الحر
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه التعديلات تعكس احتراماً للخصوصية الدينية وتعزز حرية المعتقد، فإنها في المقابل تثير مخاوف حقيقية بشأن حقوق المرأة والمساواة أمام القانون.
ويبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن الدولة من تحقيق توازن بين احترام التنوع الديني وحماية الحقوق الأساسية لجميع مواطنيها، أم أن هذا التعديل سيكون خطوة نحو مزيد من الانقسام القانوني والاجتماعي؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف عن تأثيرات هذا التعديل على المجتمع العراقي.