قراءة في مدى مشروعية الاشتراط اللاحق في ضوء أحكام المذهب الجعفري
أثار نفاذ قانون الأحوال الشخصية الجعفري في العراق جدلاً واسعاً بين الأوساط القانونية والاجتماعية لما تضمنه من تغييرات جوهرية مستندة إلى أحكام المذهب الجعفري الاثني عشري والتي تختلف في العديد من النقاط عن النظام القانوني السابق القائم على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل.
ومن أبرز ما أثار الانتباه هو شمول بعض الأزواج والزوجات – سواء كانوا في حالة زواج مستمر أو طلاق – بأحكام هذا القانون دون إرادتهم الصريحة بل بناءً على طلب منفرد يقدمه الزوج أو الطليق فقط وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ التقابل في الإرادة القانونية والمساواة في المراكز القانونية بين الأطراف ولا سيما في مسائل الأحوال الشخصية التي تمس جوهر العلاقة الزوجية.
أولاً: المفارقة القانونية – شمول دون إرادة النساء
تتمثل المفارقة القانونية في كون القانون الجديد قد أتاح لطرف واحد (الزوج أو الطليق) أن يختار إخضاع العلاقة السابقة أو المستمرة لأحكام المذهب الجعفري دون الحاجة لموافقة الزوجة أو الطليقة وهو ما يعد خروجاً عن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين خاصة أن الزواج – بحسب القواعد الفقهية والقانونية – عقد رضائي ذو طابع شخصي.
فكيف يُفرض على الزوجة أو الطليقة نظام قانوني جديد لم تكن طرفاً في اختياره وقد يترتب على هذا الاختيار آثار تمس حقوقها الشرعية والقانونية كمسائل النفقة الحضانة الإرث والطلاق وكلها تختلف في مضمونها وشروطها بين المذهبين السني والجعفري؟
ثانياً: السؤال الجوهري – هل يمكن للزوجة أو الطليقة فرض اشتراطات بعد شمولها؟
في ضوء الفقه الجعفري يُعتبر الشرط في عقد الزواج أمراً مشروعاً ما لم يكن مخالفاً لأحكام الشريعة وهو ما يستند إلى قاعدة “المؤمنون عند شروطهم”. وبالتالي فإن الزوجة – من حيث المبدأ – يمكنها اشتراط ما تشاء من شروط مشروعة في عقد الزواج الجعفري.
لكن الإشكال القانوني هنا لا يتعلق بجواز الشرط من عدمه بل بـالمرحلة الزمنية التي تم فيها فرض الشمول الجبري عليها دون موافقتها أي أن العلاقة قد انتقلت من نظام قانوني إلى آخر دون إعادة التفاوض أو إعادة صياغة العقد بما يتماشى مع إرادة الطرفين.
وعليه فإن اشتراطها لاحقاً – بعد الشمول القسري – قد يواجه اعتراضات قانونية أو مجتمعية لأن الشروط ينبغي أن تكون مقرونة بمرحلة تكوين العقد لا بعد نفاذه.
ثالثاً: المنفذ القانوني الممكن إعادة التفاوض أو اللجوء إلى القضاء رغم ما سبق فإن هناك منفذ قانوني محتمل يمكن للزوجة أو الطليقة الاستناد إليه وهو:
- الطعن بعدم دستورية النصوص التي تجيز الشمول القسري دون موافقتها، استناداً إلى خرق مبدأ المساواة (المادة 14 من الدستور العراقي) ومبدأ الرضا كأساس للتعاقد.
- رفع دعوى قضائية بطلب إعادة النظر في العلاقة القانونية وفق إرادة الطرفين والمطالبة بإعادة صياغة العقد بما يسمح بإدراج الشروط التي تضمن حقوق المرأة استناداً إلى المبادئ العامة للعدالة والإنصاف وعملاً بقاعدة “لا ضرر ولا ضرار”.
- إعادة توثيق عقد الزواج وفقاً للمذهب الجعفري مع تضمين الشروط الخاصة بالزوجة في حال الاتفاق مع الزوج على ذلك وهو الحل التوافقي الأفضل لتلافي النزاعات المستقبلية.
لذا فنرى إن فرض شمول عقود الزواج أو الطلاق السابقة بأحكام قانون الأحوال الشخصية الجعفري بناءً على إرادة منفردة من الرجل يمثل خللاً في التوازن القانوني والعدالة التعاقدية ويُعد تجاوزاً على حق المرأة في تقرير مصيرها ضمن علاقة تمس جوهر كيانها الشخصي والأسري.
وبينما يُقر الفقه الجعفري بمشروعية الاشتراط في العقود فإن تفعيل هذا الحق بعد فرض الشمول الجبري سيظل موضع جدل قانوني ومجتمعي إلا أن المنافذ القانونية والدستورية ما زالت قائمة أمام المرأة التي ترغب في صون حقوقها وفقاً لإرادتها الحرة ومبادئ العدالة ولكن الإشكال يبقى ويطول في حال عدم موافقة الرجل على الشروط اللاحقة وهذا ما يعد خللا فكيف تفرض ارادة رجل على تطبيق احكام قانون لاحق ولا تفرض ارادة صاحبة الشروط اللاحقة هذا ما يجيب عنه المشرع العراقي الذي غفل صراحة عن مثل هكذا تفصيلات دقيقة كان من المفترض اخذها بعين الاعتبار ووضع حلاً لها
🖊️
المحامي
د. سيف علي الشمري