مدخل لفهم قضية خور عبدالله
مدخل لفهم قضية خور عبدالله
الحلقة الاولى
مما لا شك فيه أن قضية( خور عبدالله) قضية عراقية حقة، وكل من يثبت تجامله فيها أو غباؤه في العمل عليها فهو خائن لبلده وشعبه.
ورغم أن القضية ليست وليدة الحكومة الحالية، وإن كانت مسؤولية جميع الحكومات المتعاقبة منذ عام ١٩٩١ وحتى اليوم، إلا أنها أصبحت قضية رأي عام، بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في الدعويين الموحدتين (١٠٥ و ١٩٤ / ٢٠٢٣) الذي قضى بموجبه الحكم بعدم دستورية القانون رقم (٤٢) لسنة ٢٠١٣ “قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة في خور عبدالله الموقعة في بغداد بتاريخ ٢٩ / ٤ / ٢٠١٢”، لعدم اتباع الإجراءات الدستورية اللازمة للتصويت على القانون محل الطعن المنصوص عليها في المادة ٦١ من الدستور باختصاص مجلس النواب تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسن بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، وهو ما لم يتحقق في جلسة التصويت على القانون المنعقدة يوم ٢٢/ آب/ ٢٠١٣، حيث تم التصويت من قبل ١٢٢ نائباً فقط لصالح إقراره مقابل ٨٠ نائباً ضده ومن أصل المجموع الكلي لعدد أعضاء المجلس البالغ (٣٢٩) نائباً.
طبعا لا أدري أين كان الرأي العام والإعلام العراقي في تلك الفترة وكيف سمح بتمرير هكذا اتفاقية بلا شك تخل بأمن العراق التجاري والاقتصادي، ربما احداث داعش آنذاك والتهديدات الامنية التي نجمت عنها شغلت الرأي العام عن ذلك ،على أية حال ساهمت المحكمة الاتحادية العليا مجددا مشكورة في إعادة هذه القضية إلى صدارة الأحداث والرأي العام بقرارها المشار إليه آنفاً، غير أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد طعنا بقرار المحكمة الاتحادية بشأن الاتفاقية.
وجاء هذا الطعن في إطار سعي الحكومة العراقية للحفاظ على العلاقات الثنائية مع الكويت وتجنب أي توترات قد تنجم عن هذا القرار القضائي، وسُجل في المحكمة الاتحادية بالعدد (٨٢ / محكمة اتحادية / ٢٠٢٥)، حيث طلب فيها رئيسا الوزراء والجمهورية من المحكمة الاتحادية العليا أن تعدل عن قرارها بخصوص موضوع المصادقة على الاتفاقية بالعددين (١٠٥ و ١٩٤)، لا سيما وأنه طُعن سابقاً أمام المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية المذكورة، إلا أن المحكمة الاتحادية أصدرت قرارها المرقم (٢١ / اتحادية / ٢٠١٤) بتاريخ ١٨ / ١٢ / ٢٠١٤ برد الدعوى المذكورة. وحيث إن المحكمة الاتحادية بعد إحالة رئيسها الأول منذ تأسيسها القاضي مدحت المحمود على التقاعد هو وتشكيلتها في عهده، وتسنم القاضي جاسم العميري وأعضاء جدد رئاسة وعضوية المحكمة الاتحادية العليا في (١٥ / ٣ / ٢٠٢١)، فإن الرئاسة الجديدة للمحكمة الاتحادية العليا أصدرت نظاماً داخلياً جديداً لها رقم (١) لسنة (٢٠٢٢) والذي نُشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (٤٦٧٩) بتاريخ (١٣ / ٦ / ٢٠٢٢) والذي أصبح للمحكمة الاتحادية العليا بموجب المادة (٤٥) منه: “للمحكمة عند الضرورة وكلما اقتضت المصلحة الدستورية والعامة، أن تعدل عن مبدأ سابق أقرته في إحدى قراراتها، على أن لا يمس ذلك استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة”.
الخلاصة في حلقتنا الأولى عن هذا الموضوع، أن هناك اتفاقية لتنظيم الملاحة في خور مائي تجاري حصل نزاع سابقاً حول عائدية هذا الخور، هل هو للعراق أم للكويت؟ وهذا ما سنفصل القول فيه في حلقة قادمة، فجاءت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ووقعت اتفاقية مع الكويت لتنظيم الملاحة، لأن جزءاً من الخور أُعطي إلى الكويت من قبل حكومة صدام حسين، فأصبحت الكويت شريكة العراق فيه، وحيث إن الشريكين من حقهما استعمال الخور، لذا جاءت الاتفاقية الموقعة عام (٢٠١٢) لتنظيم هذا الاستعمال المشترك، وصوّت مجلس النواب العراقي عليها، وطُعن بقانون مصادقة مجلس النواب أمام المحكمة الاتحادية العليا في ظل رئاسة القاضي مدحت المحمود إلا أن المحكمة قررت رد الطعن، وطُعن مجدداً أمام المحكمة الاتحادية العليا في ظل رئاسة القاضي جاسم العميري وقضت المحكمة بإجابة الدعوى والحكم بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية، مما يعني أن اتفاقية تنظيم الملاحة أصبحت غير نافذة داخلياً في العراق لعدم المصادقة عليها تشريعياً، غير أن رئيسا الوزراء والجمهورية الحاليين أعني حكومة محمد شياع السوداني حاولا واستناداً إلى حق العدول القضائي الممنوح للمحكمة الاتحادية العليا بموجب نظامها الداخلي، أقاما دعوى جديدة لإلغاء قرار المحكمة الاتحادية القاضي بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية كي تكون الاتفاقية مصادقاً عليها كالسابق وتمضي على وضعها القائم، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا في الدعوى الجديدة بقيت تؤجل النظر في الدعوى والبت فيها لأسباب لا نملك أدلة على ما أثير حولها من تسريبات إعلامية تتحدث عن ضغوط حكومية وحزبية، حتى استقال رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم العميري واختير القاضي منذر إبراهيم حسين رئيساً للمحكمة الاتحادية العليا بتاريخ (٣٠ / ٦ / ٢٠٢٥) وقررت بعد مباشرتها عملها، إبطال دعوى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بخصوص طلب العدول عن حكم المحكمة السابق القاضي بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية بناءً على طلبهما.
وليد عبدالحسين : محام / الصويرة