ميراث النساء في الفقه الجعفري: تصور قانوني وواقع اجتماعي
المحامي: عبد الله حسين التميمي/محاكم استئناف الكرخ
هل تعلم أن الزوجة في الفقه الجعفري لا ترث من أرض زوجها بعد وفاته؟ في هذا المقال نوضح تفاصيل ميراث النساء من العقار، ومتى يُمكن للزوجة أن ترث، وما يقوله القانون والوصايا الشرعية، مع نظرة حيادية لآراء الحركات النسوية العراقية.
قضية ميراث النساء من العقار، خاصة في ظل تطبيق القانون الجعفري للأحوال الشخصية، تثير تساؤلات متكررة لدى الكثير من العائلات، خصوصاً حين تتوفى الزوجة أو الزوج ويبدأ الورثة في تقسيم التركة. في هذا المقال نسلط الضوء على ما ينص عليه الفقه الجعفري، ونوضح الممارسات العملية، ونطرح وجهة نظر بعض النساء من دون تحامل أو تهويل.
ماذا يقول الفقه الجعفري عن ميراث العقار؟
وفقاً للفقه الجعفري، المعتمد رسمياً لدى المسلمين الشيعة في العراق، هناك تفصيل دقيق في مسألة الميراث العقاري:
الزوجة: ترث من أموال الزوج المنقولة فقط (كالنقود، الأثاث، السيارات)، لكنها لا ترث من الأرض والعقار، لا عيناً ولا قيمة، باستثناء بناء السكن إن كانت ساكنة فيه، فترث من البناء لا من الأرض.
النساء الأخريات (البنات، الأم، الأخت): لهن نصيب في العقار، بنسب تختلف بحسب درجة القرابة وعدد الورثة.
هذا الحكم يُعد من الأحكام المستقرة في الفقه الجعفري، وسيُعمل به في المحاكم المختصة عند تطبيق المدونة الجعفرية.
واقع اجتماعي متنوع
في الممارسة، كثير من العائلات ستلجأ إلى حلول وسط، مثل منح الزوجة نصيباً عرفياً من العقار، أو نقل ملكية العقار باسمها في حياة الزوج، خصوصاً إن ساهمت في بنائه. وهذا يُظهر مرونة اجتماعية تراعي الواقع وإن لم تكن ملزمة قانوناً.
أصوات نسوية: قراءة حديثة بلا خصومة
بعض الأصوات النسوية ترى أن هذا التمييز بين الميراث المنقول وغير المنقول بالنسبة للزوجة لا يتناسب مع دور المرأة المعاصر، خصوصاً حين تكون شريكة في بناء الأسرة اقتصادياً. وهن يطالبن بمراجعة بعض النصوص وفق مقاربات فقهية جديدة، دون الطعن بالفقه نفسه، بل انطلاقاً من فهم اجتماعي مرن يعكس متغيرات الواقع.
الرأي المحافظ (الفقهي التقليدي):
يرى أن أحكام الإرث نُظّمت إلهياً بنظام دقيق لا يقبل التعديل وفق الظروف أو الرغبات المجتمعية. ويُؤكد على أن تفاوت الحصص بين الذكر والأنثى لا يعني ظلماً، بل يعكس اختلاف الأدوار المالية، فالزوج مُلزم بالإنفاق، بينما لا تُجبر المرأة على الإنفاق من ميراثها.
كما يعتبر أن المطالبات بالمساواة التامة في الإرث تخالف النصوص القرآنية والفقهية القطعية، وتُسقط التكامل بين الجنسين لصالح صراع غير مبرر. واخيراً فانه يرفض إعادة قراءة النصوص تحت الضغط المجتمعي أو النسوي، لأن الفقه يستند إلى النص، لا إلى المزاج العام.
بين النص والنية… من يحفظ الحق؟
قد تبدو أحكام الميراث محسومة شرعاً، لكن التفاصيل الصغيرة—كوصية لم تُكتب، أو اتفاق لم يُوثّق—قد تُغيّر مصير عائلة بأكملها. وهنا لا يكفي حسن النية ولا التفاهم العائلي، بل لا بد من عين قانونية تُدقّق، وصياغة دقيقة تُنقذك من نزاعٍ محتمل.
في قضايا الإرث، خاصة حين يتعلق الأمر بالعقار والنساء، المحامي الملم بالفقه الجعفري ليس ترفاً، بل ضرورة. فهو من يُحوّل القصد إلى نص، والنية الطيبة إلى حق لا يُضيع. لا تنتظر الخلاف… استشر قبل أن تكتب، واستأمن قبل أن تمضي مع شبكة محاميين العراق.
خلاصة القول:
القانون الجعفري يمنح النساء نصيباً في الإرث، لكن الزوجة تحديداً لا ترث من العقار. وهذا الواقع، وإن كان مستنداً لنصوص فقهية واضحة، لا يمنع من وجود نقاش اجتماعي متصاعد حول كيفية موازنة النص مع متغيرات العصر. ومع استمرار الجدل، يبقى انتظار مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية أحد المفاتيح الأساسية لتوحيد التطبيق وتوضيح الحقوق.